أخبار

بوادر “تجهيز” للساحل الموريتاني لتدخل أطلسي

تزامن الجمعة الماضي مع حدثين مهمين في موريتانيا، مرا مرور الكرام من دون لفت انتباه كبير رغم ما لهما من دور في مستقبل منطقة الساحل. فقد أعلن حلف شمال الأطلسي أنه قرر استئناف التعاون الكامل مع موريتانيا في “منتدى المتوسط للحوار الأمني” وأرجع السبب إلى “التقدم السياسي الذي شهدته البلاد بعد الانتخابات الرئاسية”. وأوضح أن أعضاءه البالغ عددهم 28 دولة اتخذوا قرارهم “بعدما أطلقت الانتخابات الرئاسية عملية سياسية في البلاد”.

وتزامن هذا الحدث مع تدشين الرئيس الموريتاني إلى جانب وفد صيني كبير يرأسه نائب وزير الخارجية الصيني واحدا من أهم المشاريع التي كانت تنتظرها موريتانيا وهي توسعة ميناء نواكشوط المستقل، المعروف ب”ميناء الصداقة” بتمويل قدره 288 مليون دولار.

وستسمح هذه التوسعة للميناء برفع طاقته الاستيعابية واستقبال السفن الكبيرة، بل والبارجات الحربية للتزود بالوقود، أو إنزال الإمدادات العسكرية، ما سيجعل منه أحد أهم الموانئ بالنسبة لمنطقة الساحل، وسيدفع دولا للاعتماد على الميناء كجمهورية مالي التي لا تطل على البحر.

وفي ظل اتجاه حلف الأطلسي للعب دور عسكري وأمني وسياسي في القارة الإفريقية وبالخصوص منطقة الساحل التي ظلت “حكرا” على فرنسا، فإن البوادر تتجلى يوما بعد آخر على تزايد الاهتمام بالأراضي الموريتانية كمنطقة تدخل وتدريب ومراقبة للسلفية المتنامية التي بدأت بالخروج عن الدائرة المغاربية لتتسع جنوبا، ما يضع مهمة الحلف في مجتمعات أكثر تعقيدا وفي منطقة جغرافية واسعة، يشكل دخول القاعدة إليها تهديدا حقيقيا للمصالح الغربية، بل وللأمن الغربي على الضفة العربية الإفريقية للأطلسي.

ويرى مراقبون أن تهيئة الساحل الموريتاني ليكون “جسرا” لتدخل حلف الأطلسي أمنيا ولوجستيا عملية بدأت بوادرها منذ 5 سنوات مع إعلان الجماعة السلفية للدعوة والقتال توسيع دائرة نشاطاتها إلى دول الجوار، وانضمامها لتنظيم القاعدة وتشكيلها لظهير مهم يمد التنظيم في أفغانستان ومناطق أخرى بالأموال والمقاتلين المجندين تحت شعار “حرب الصليبيين”.

ولعل إعلان فنزويلا قبل أسبوعين نيتها إنشاء مصفاة نفطية في موريتانيا لتزويد دول المنطقة بالمحروقات، وشروع الصين في تمويل وتنفيذ مشروع توسعة ميناء نواكشوط، جاءا -بالصدفة ربما- كعاملين مساعدين لتأهيل الساحل الموريتاني لتحمل وطأة أساطيل الحلف، فيما يجري السفير الأمريكي لقاءات ماراثونية بالرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لإقناعه بتسريع مشاركة الجيش في الحرب على القاعدة في الساحل، وتزامن ذلك مع لقاءات للأمريكيين بالقيادتين الليبية والجزائرية، في مسعى واضح ل “حرب بالوكالة” كانت أقل تكاليف على الأمريكيين في تجربتهم مع إثيوبيا، على أن الأمريكيين والأطلسي يسعون هنا للحصول على مؤهلات التدخل العسكري عند الضرورة لحماية المصالح ودعم جيوش دول المنطقة التي توصلت مؤخرا في الجزائر لاتفاق لم يكشف النقاب عن كامل تفاصليه، لكنه تضمن شن حرب متزامنة ومتواصلة على السلفية الجهادية والسماح لجيش كل دولة بتعقب المقاتلين السلفيين داخل أراضي الدول المجاورة وإنشاء قاعدة معلومات استخباراتية مشتركة.

هذه السلسلة من الأحداث والإجراءات الميدانية المتلاحقة لا تخفي سوى حقيقة واحدة هي أن الساحل الإفريقي بات مرتعا للتنافس الشديد بين القوى الكبرى، فمحور الصين والهند واليابان ودول أمريكا اللاتينية ساع لاحتلال إفريقيا اقتصاديا، فيما يسعى الغرب التقليدي للحفاظ على مصالحه واستثماراته، والاستئثار بثروات هائلة حبيسة الاكتشافات يقال إنها “بعض مما يدخره الغرب للعقود والقرون المقبلة”.

ويرى المتابعون لملف السلفية الجهادية، ومنهم المحلل السياسي بشير ولد ببانا “أن حلف الأطلسي لا يريد أن يعطي الفرصة مرة أخرى في مكان آخر لمجموعة من المتشددين الذين لا يملكون غير البنادق الخفيفة ورسائل الإنترنت ولكن بإمكانهم خلق أفغانستان أخرى إنما هذه المرة إفريقية، بعدما ألقى بثقله في أفغانستان وتكبد خسائر ضخمة”.

الخليج /المختار السالم:

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button