مقالات

العسكر والديمقراطيات الوليدة

الذين يخلطون بين النظم والشعر يطلقون على موريتانيا بلد المليون شاعر، والذين يقتربون من الظاهرة السياسية الموريتانية ينعتون البلد بأنه بلد المليون سياسي، فعلى مدى أسبوع قضيته في موريتانيا، إبان فترة الرئيس معاوية ولد الطايع، لم ألتق رجلا أو امرأة ولم تصبح السياسة ثالثتنا، فالظاهرة السياسية الموريتانية حافلة بكثرة الأحزاب والصحف السياسية، ولكل موريتاني طموحاته السياسية، ولربما الرئاسية، التي ولدتها كثرة المحاولات الانقلابية ولعبة تغيير الأنظمة، حتى أن أشهر فنانة موريتانية المعلومة بنت المداح حولت سهرة فنية أقامها أحد الأصدقاء إلى سهرة سياسية، كشفت خلالها عن الكثير من الرؤى السياسية العميقة التي قد لا يجدها المتابع بين الفنانين المشرقيين، فكل شخص هناك سياسي بالفطرة: الفنان، سائق التاكسي، نادل المطعم، موظف الاستقبال بالفندق، عامل المتجر، بائع التحف، الفنان، الصحافي، الأديب، وكل من له عينان ورأس يفعل ما يفعله الناس..

والميل السياسي الموريتاني لا يتسم بالعنف عادة، فالناس تلتقي على اختلاف توجهاتها، تجمعهم الأفراح والليالي الملاح، يقدمون خلالها المشترك الإنساني والوطني والاجتماعي على الشتات السياسي، فالموريتاني ـ في الغالب ـ رغم جدليته صاحب نزعة إنسانية اجتماعية، رقيق الطبع، مرهف الحس، ثري التفكير، وكان يمكن أن يتوافق مع مناخات الديمقراطية، لولا أن سلبها منه العسكر قبل أن تتعمق التجربة وتتجذر، حتى ليمكن ترديد القول الشعبي: «يا فرحة ما تمت».

ويبدو أن العسكر في موريتانيا أرادوها ديمقراطية تحت وصايتهم، وعلى الرئيس المنتخب أن لا يقترب من مؤسستهم بالعزل أو التعيين، أي أن تكون المؤسسة العسكرية كيانا مستقلا عن الدولة والديمقراطية داخل البلد، ويبدو أن الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أغرته الديمقراطية على الاقتراب من شوارب «الغول»، الذي لم يروض بعد ليعرف أن من بين وظائفه حماية الديمقراطية وليس الانقلاب عليها.
الانقلاب العسكري ليس تمردا على الديمقراطية في موريتانيا فحسب، ولكنه تمرد على قواعد المجتمع الدولي الحديث، وعودة إلى زمن الانقلابات والانقلابات المضادة. والاحتجاجات العالمية الخجولة، ستفتح شهية العسكر على التهام بيادر كل الديمقراطيات الوليدة التي لا تعترف بوصايتهم.. فهل يغير العالم سلوكه المتردد في مواجهة الانقلابات إلى موقف حازم وحاسم وصريح؟
m.diyab@asharqalawsat.com

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button