مقالات

هل يحتاج العقل الإسلامي إلى ترميم أم إعادة بناء؟*

عندما صدر كتاب” الثابت والمتحول: بحث في الإبداع والإتباع عند العرب” للشاعر السوري “أدونيس” في مطلع السبعينات وبعد هزيمة يونية 1967، أثار صدمة وجدلا في الأوساط الثقافية والدينية، بسبب تبنيه نظرية هدم للبنية الثقافية السائدة للفكر العربي، التي ترفض الإبداع وتدينه، ولذلك فإن تحرير العقل العربي يبدأ بإزالة القدسية عن الماضي”.

كانت تلك دعوة صريحة لهدم التراث وإعادة البناء، في محاولة لحل جدل الصراع بين الدين والعقل والدين والحياة. أو ما عرف بـ”تيار الحداثة العربية”.

ومؤخرا صدر كتاب مهم بعنوان ” تحديث العقل الإسلامي: التنوير في التفكير النهضوي الخليجي” قام بتأليفه المفكر الدكتور فتحي العفيفي، أعاد خلاله في نحو 470 صفحة، طرح رؤية نقدية مغايرة لأدونيس  وغيره من الحداثيين العرب،لا تقوم على القطيعة مع التراث القديم تماما، بدعوى التنوير وخدمة التفكير العقلاني،  لأن ذلك- من وجهة نظره، يعني إعطاء الفرصة لمنظري الإسلام السياسي للتنكر لجهود رواد الإصلاح الديني (الطهطاوي، ومحمد عبدهو أحمد أمين وغيرهم)  واتهامهم بالتغريب. كما يرفض العفيفي فكرة الانغماس في التراث بدعوى الوسطية، مما أدى إلى الجمود وغياب الاجتهاد الحقيقي في علوم الدين.

إذا العقل الإسلامي في رأيه- يحتاج إلى تحديث وترميم، لما أصابه من شروخ وتصدعات، وهنا يطرح بعض الحلول ومنها: تطوير المؤسسات الدينية، بداية من الأزهر الشريف، جامعا وجامعة،  وأن يتم التوسع في استمعال واستغلال العقل النقدي، وتحديث المناهج التي لا يزال معظمها منحصرا في النقل والتواتر والقياس والقداسة الحرفية للنص والتراث. مما يعيد للأزهر وضعه الطبيعي، كمعهد ديني ومؤسسة علمية عالمية راقية ، وعدم الانسياق وراء من يدعون أنه سلطة دينية.   

 إن تحديث العقل الإسلامي يتطلب أيضا: إعادة النظر في قضايا محل خلاف في الفكر الإسلامي، يقوم بتوظيفها أنصار الإسلام السياسي مثل “الخلافة والإمامة والجهاد، ومشروعية اللجوء للعنف أو استعمال القوة، وحدود المسؤولية عن تنامي الإرهاب، وحدود التكفير، ومصطلح أهل القبلة. وتمكين المرأة وغيرها”. 

يطرح العفيفي رؤية لإصلاح المجال الديني العام، تتمثل في غحكام السلطة الإشراف على المجال الديني (الإفتاء-التعليم-المؤسسات الدينية، الأعمال الخيرية)، والعمل على حماية الدين من التلاعبات السياسية وتوظيفه من قبل الجماعات والحركات والأحزاب وغيرها، وعدم اقتصار البحث الديني على خريجي الجامعات والمعاهد الدينية، وأقول له: إن هذا الهدف سوف يتحقق عبر مجتمع مدني(لاديني) قوي، من خلال تشريعات وقوانين مدنية تفرض على الجميع، بما فيها أحكام الأسرة، وتقوية أقسام مقارنة الأديان والفلسفة الإسلامية في الجامعات الحكومية غير الدينية، والانفتاح على معاهد وكليات اللاهوت والفلسفة في العالم، وقبل ذلك تبني المجلس الأعلى للثقافة والمحلس الأعلى  للشؤون الإسلامية والجامعات ومراكزها البحثية ،وأصحاب مبادرات المسؤولية المجتمعية من رجال الاقتصاد، لمشروعات تنوير نهضوية كبرى، وليكن لدينا نموذج طلعت حرب ماثلا امام أعيننا، والتوسع في إرسال البعثات العلمية للخارج، لتظل مصر مركزا حضاريا للتنوير الفكري والإشعاع الحضاري.

*محمد ثروت

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button