مقالات

عصي على الأفهام/ذ/ أحمد سالم ولد مولاي علي

هرج ومرج، ضوضاء وفوضاء، قفزات ووثبات، كر وفر، مصلحون ومفسدون، أموال وأعمال، وعلى الخط الكبير، رئيس ومحافظ ووزير، كلمات كالسهام، وتمتمات في ابهام، إيعازات مباشرة وغير مباشرة، والموعز إليه معروف، ومن خلفه يتوجس الخوف، ولا ينبس ببنت شفة، ولا يبدو من تصرفه سفه، والنيابات، والسجون والدواوين، عن اليمين وعن الشمال عزين.

مواقع تغص بالكلمات والمقالات، وعلى هوامشها التعليقات، وصحف تمتلئ عناوين وافتتاحيات، وأعمدة وزوايا.

وقارئ يرتبك ويحار، فلا يجد ارضية يؤمن عليها الخطو دون وحل أو مزلقة.

تقارير من هنا وهناك لا تهمل الأمور ولا تكشف عن حقائقها، وقرارات وأوامر يعوزها الدليل، وتفتقر إلى تبرير، تمويه وتعمية يطالان كل ذلك.

وعد بالإصلاح، ووعيد بمحاربة الفساد، مفاهيم انتثرت فتعاورتها الفضائيات أو وسائل الإعلام، وتشكلت منها لدى الناس مواقف مختلفة المناحي والاتجاهات (كل يغني على ليلاه)، وللبصر من ذلك نصيب، وللبصيرة أنصباء، وانفتح باب السور المضروب بين الفئتين، وكان باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم الم نكن معكم قالوا بلى…

ويبقى العدل حكما مهيض الجناح لا يقوى على التحليق، فإما أن يراوح مكانه كالخشبة المسندة… ينتظر مصيره المأساوي حتى يذبح بغير سكين، وإما أن يستعين بقدميه فيخطو خطوات وئيدة لا يلبث بعدها أن يقع، وإما أن يتداركه الله برحمته فيصلح له الجناح المهيض ليحلق عاليا، ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله، وينشد لسان الحال :

دع الأيام تفعل ما تـــــشاء وطب نفسا إذا (نزل) القضاء

ولا تجزع لحـــادثة الليالي فمــــا لحــــوادث الـــدنيا بفاء

وينتهي الأمر وتنسى الحوادث وترفل الدنيا في حلل النعيم.

ولا فرق بين إن عفا أو عدل، فالعفو والعدل صنوان وإن علا أحدهما الأخر “رتبة” فكلاهما أقرب للتقوى إعدلوا هو أقرب للتقوى وأن تعفوا أقرب للتقوى أما أحدهما فلا سبيل إليه وقد بري رأس الحربة، وأعطى القوس باريها، فانبرى يسدد نبله إلى صدور من يخالون عائق المستقبل وأعداء الأنشودة = الفساد والإصلاح، لا سبيل وقد قلب ظهر المجن وأولغ المدى، وظهرت القوة ولما تتحقق المقدرة، إذ عندها فقط يعفوا الحكماء ومبتغو الخير، وتشرئب رواسب حب الانتقام حائلا صعب التجاوز، وطوبى لمن اقتحم، فالعفو والإصلاح قرينان بالتنزيل ومن عفا واصلح فأجره على الله.

ويسدل الستار دون الاحتمال خشية أن تشتم منه رائحة نقص في القوة أو عجز عن الاستيفاء، والرجولة بسفلى النظرات لا تقتضي ذلك ولو في باطل، حتى تعلم الحوالب أن الراعي سيحلبها.

ويسدل الستار… أما صنو العفو الذي هو العدل، فذالك الملجأ بعد الله وإليه المشتكى، ومن معاني لفظ العدل أنه اسم ذات مباني وأناس ومعدات، وحري بنا أن نهمل هذه الذات من التعليق وإن انتزعت ذاتيتها من متعدد، وحذار أن تتوقع من هذه السلطة المحترمة إلا خيرا وعدلا وإنصافا إن أري الحق الحق للقائمين عليه، ولا تنس أن لك عليها حق الإنصاف كما لها عليك حقه.

والعدل يعطي معنى الميل والانحراف، وحذار أن ترى ذلك صفة للمحاكم في القضايا ذات الخطر البالغ على لغة قانون المخدرات.

والعدل ضد الجور من أسماء المعاني لا الذوات، وحذار أن تصف به من لا يعجبك حاله أو يدلك على الله مقاله، فالعدل أحد أسمائه تعالى ومن خصائصه أنه لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع ممن لم يجعل له (شريكا في التتمية) فهو ملجأ الظالم والمظلوم، ويمهل ولا يهمل.

وبذلك يتيقن الجميع الضعف الحتمي ضعف الطالب والمطلوب ومع أنه إن تحقق الحق وتأكد بالمشروع من البينات والأدلة الصارخة أو توجه بمثلها في الذمم، فما ضاع حق وراءه طالب، والوفاء مترتب على أصحاب الذمم العامرة به ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن برئت هذه الذمم بالقرائن الناتجة من قاعدة الاستصحاب أو عجز الطالب عن الإثبات الشرعي، فإنما نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر.

وإلا فقد (ند جذع ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها، ولولا أن يزكى على الله أحد، لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المومنين) (علي ابن أبي طالب)

مواضيع مشابهة

تعليق

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button