مقالات

انقلابات «الأولاد» في موريتانيا

عُرفت موريتانيا – التي تقع في أقصى شمال غرب القارة الإفريقية بأنها بلد المليون شاعر، تماما كما عُرفت الجزائر بأنها بلد المليون شهيد، ولربما طال الزمن بالأولى لكي تُعرف باسم بلد المليون انقلاب.
ويلاحظ أن معظم الأسماء التي يتم تداولها في موريتانيا تحمل كلمة ( ولد) بعد الاسم الأول، ولربما قُصد به (بن) المعروفة في لغتنا. وهذا ما عنيناه بـ ”الأولاد” في العنوان حتى لا يختلط الأمر على البعض فيزعل علينا.
ولربما تكون موريتانيا البلد العربي الوحيد الذي عُرف بسرعة الانقلابات، فحكم معاوية ولد الطايع لم يدم طويلاً وأطيح به العام ,2005 وكان في رحلة خارجية. وحكم سلفه ولد الشيخ عبدالله الذي لم يدم طويلاً أيضا وأطيح به، وحتى الآن لم تتضح معالم الانقلاب الجديد الذي اختلف الشارع الموريتاني عليه، بل إن بعض وزراء الحكومة السابقة ظلوا كما هم في أعمالهم. ولقد وضع هذه الانقلاب الجامعة العربية في حرج كبير- مثل الانقلابات السابقة – إذ لا تمتلك الجامعة العربية صلاحيات لفرض عقوبات – في حال تعرض الأنظمة العربية لمثل هذه الحالات، وكأن الجامعة العربية تريد أن تكرس بقاء الحاكم العربي للأبد أو حتى يتوفاه الله. أما الاتحاد الإفريقي فقد كان أكثر وضوحاً فيما يتعلق بما حدث في موريتانيا، حيث تم تعليق عضوية هذا البلد في الاتحاد حتى تعود إلى الحكم الدستوري ؛ فيما تضاربت آراء المواطنين بين مؤيد ومعارض للانقلاب.
ولقد وعد الرئيس الجديد الجنرال محمد ولد عبدالعزيز – معظم الرؤساء من الجنرالات- باعتماد النهج الديمقراطي وحل مشكلات البلاد. واللا – حسب قناة الجزيرة – إلى إعادة الشرعية الدستورية ورفضت الانقلاب. ورأى رئيس التحالف الشعبي (أحمد ولد سبما) أنهم أنشؤوا التحالف من أجل الدفاع عن الديمقراطية، وهي نهج اعتمد عليه الرئيس السابق لتحقيق أغلبية في البرلمان. وأنهم لا يوافقون على تصريحات الرئيس الجديد، كما اتهم رئيس التحالف الشعبي الشرطة الموريتانية بتنظيم مسيرة للانقلابيين، ورأى أن هنالك تراجعاً عن الديمقراطية. كما هاجم نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والنائب في الجمعية الوطنية الموريتانية ورئيس الفريق البرلماني لجبهة الدفاع عن الديمقراطية قادة انقلاب 6 أغسطس متهماً إياهم بأنهم أدخلوا البلاد في نفق مظلم وتسببوا في تقسيم البلاد إلى معسكرين متنافرين، وطالب بعودة الشرعية والديمقراطية وإزاحة الحكم العسكري عن موريتانيا. (الراية -7/9/2008 ).
ولقد قوبلت تصرحيات الأمين العام المساعد للجامعة العربية (أحمد بن حلي) في نواكشوط باستهجان كبير عندما صرح لجريدة الشرق الأوسط أن ”الرئيس الموريتاني” محمد ولد عبدالعزيز قدم له عرضاً تفصيلياً لكل الظروف التي أدت إلى الانقلاب وانسداد الطرق بين الرئيس ”السابق” محمد ولد الشيخ عبدالله. وهذا التصرح أثار حفيظة المناوئين للانقلاب، حيث اعترف الأمين العام المساعد للجامعة العربية برئاسة الرئيس الجديد، ونعت الرئيس محمد ولد الشيخ عبدالله بـ ”السابق”؟ ورغم أن الانقلاب كان عسكريا – كالعادة – وعارضته مؤسسات المجتمع المدني؛ إلا أن الناطق باسم البرلمان الموريتاني (سيدي محمد ولد مح) أشار إلى الإبقاء على البرلمان وبناء الحياة السياسية على أسس صلبة مشيراً إلى أن ”العسكر” في موريتانيا عازفون عن السلطة؟ واتهم الرئيسَ المخلوع برفض إنشاء لجان تحقيق أو تفتيش على الأموال العامة، وبدأ في ”توزيع إغراءات بهدف شراء ذمم نواب البرلمان، وأسهم ذلك في انسداد الأفق السياسي ”(الشرق الأوسط10/8/2008).
نحن في الخليج لا نعرف إلى أين تسير الديمقراطيات العربية؟ فالكل يتغنى بالديمقراطية، وكل أمة تلعن سابقتها، ويأتي العسكر ليخلق ديمقراطيته الجديد؟ وأيضا لا ندري إلى متى تظل دول الخليج غير مستوعبة لدروس الانقلابات ويتواصل ”ضخ ” الأموال والمساعدات لدول إفريقية غير مستقرة. وتستثمر فيها أموال من حقوق الشعوب، لاتدر عوائد ولا تستقر أحوالها ضمن مسلسلات الانقلابات، أو الافق الضيق – الذي وصفه أكاديميون في موريتانيا – وتواصل الانقلابات التي لا تفيد الشعب الموريتاني قدر ما تفيد ”المنتفضين” على السلطة وقد لا يكون هؤلاء ”المنتفضون” بأفضل من سابقيهم.
نحن نأمل أن يقول الشعب الموريتاني كلمته فيما يتعلق بنظام الحكم ومستقبل البلاد. كلمتنا لدول الخليج العربية أن تدرس برامج مساعدتها – وبعضها لا شوارع فيها (زي الناس) ولا مبان فيها لمسارح أو مكتبات لائقة – وتراعي ظروف بلدان مثل موريتانيا وغيرها، ولا بأس من تهيئة قصر جديد لرئيس سابق من الرؤساء الذين تحتضهم دول الخليج؟
وأخيراً فإذا اعترفت أميركا بالنظام الجديد في موريتانيا فسيعترف به كل العرب. خصوصاً أن قادة الانقلاب يلعبون بورقة مطاردة ”القاعدة” والمتشددين ضد أميركا، وهذه ورقة رابحة هذه الأيام.

* أحمد عبدالملك

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button