أخبار

صحيفة “نيويورك تايمز ” تخصص صفحة كاملة لخطر الإرهاب القادم من موريتانيا

( نيويورك تايمز) في الوقت الذي يحارب فيه الجيش الاميركي حركة طالبان في افغانستان ويطارد اسامة بن لادن يعمل خبراء الارهاب في الولايات المتحدة في قضية «من ستكون افغانستان القادمة»، ويبحثون عن اماكن قد تشكل ملاذا للارهابيين وملجأ يستخدموه من اجل التخطيط للهجمات القادمة.

قائمة الدول المرشحة لان تكون افغانستان القادمة طويلة تتضمن تقريبا كل دولة توجد فيها اغلبية اسلامية، او على الاقل اقلية كبيرة مؤمنة بالله، وجميع هذه الدول تعتبر بنظر هؤلاء الخبراء «مشبوهة». لقد ركز خبراء المخابرات على جزر وغابات نائية في الفلبين واندونيسيا وعلى جبال وعرة من الصعب الوصول اليها في مناطق قبلية في الباكستان.

بدت افريقيا المكان الاكثر اثارة للقلق، خصوصا منطقة الساحل في الصحراء الافريقية والمناطق الواقعة جنوبها، لا سيما وان السودان وفرت ملاذا لابن لادن في سنوات التسعينات. وتستمر في الجزائر من حوالي العقد الانتفاضة الاسلامية العنيفة بقيادة «المنظمة السلفية للتوعية والقتال» المعروفة باسمها الفرنسي المختصر «جي، اس، بي، سي» ويعيش في موريتانيا 5،3 مليون نسمة في منطقة شاسعة جدا الامر الذي يضع عقبات امام امكانية سيطرة الدولة عليها.

تحولت منطقة الساحل وخلال فترة قصيرة الى حقل تجارب اميركي، تبحث فيه سياسة «الحرب الدولية ضد الارهاب». واعدت الادارة الاميركية عام 2002 مخططا لمكافحة الارهاب بالتعاون مع جيوش مالي، النيجر، تشاد وموريتانيا وتم عام 2005 توسيع هذا المخطط بحيث اصبح يشمل كل من نيجيريا، المغرب، السنغال، الجزائر وتونس، وقام جنود اميركيون بتدريب هذه الجيوش على محاربة المتمردين، بهدف الحيلولة دون تمكن بن لادن وحلفائه من توسيع اطار نفوذهم في هذه الدول.

لكن لم تسر المخططات وفقا لما اعد لها، اذ يهدد المتمردون بالسيطرة على عاصمة تشاد وازدادت حدة العنف في دارفور في السودان، وتمكنت منظمة القاعدة وبالتدريج من ترسيخ وجودها في منطقة الساحل، اذ اقامت عام 2006 فرعا لها في شمال افريقيا وازداد عدد العمليات هناك.

انتقادات لواشنطن

وجهت انتقادات للادارة الاميركية تقريبا منذ بدء محاربة الارهاب، اذ في الوقت الذي يدعو فيه العراق وايران الى اتباع اسلوب حكم ديمقراطي، تؤيد انظمة ليست ديمقراطية مثل مصر والسعودية والباكستان، وتؤكد هذه الانتقادات على تركيز الادارة الاميركية على قتل الارهابيين اكثر من بث القيم الديمقراطية ومع ذلك طرأت عدة تغيرات من توجهات الادارة الاميركية حول الارهاب.

برزت هذه التغيرات في موريتانيا حيث جرى انقلاب عسكري قضى على النظام الديمقراطي وردت الولايات المتحدة بوقف المساعدات العسكرية رغم تعليل الطغمة العسكرية للانقلاب باسباب امنية وتأكيدها ان بلادها معرضة لتهديدات «القاعدة». وبعد شهر من الانقلاب قام متمردون موالون للقاعدة بقتل 12 جنديا موريتانيا، هل حددت الولايات المتحدة التزامها بالديمقراطية بأمر يفوق اهمية محاربتها للارهاب؟ ام ان محاربة الارهاب تغيرت وان الولايات المتحدة توقفت عن اعتبار كل خلية تابعة للجهاد العالمي قوة تهدد وجودها؟

جدول ديمقراطي

انتخب سيدي ولد شيخ عبد الاله رئيسا لموريتانيا في نيسان عام 2007 وذلك في اطار الانتخابات الديمقراطية الاولى في البلاد واستؤنف التعاون العسكري بين موريتانيا والولايات المتحدة على الفور بعد توقف دام عامين. وبدأ خلال فترة رئاسة عبد الاله بأن هدفي ادارة بوش – محاربة الارهاب وترسيخ الديمقراطية – قد امتزجا معا بصورة نموذجية.

لكن لم تدم التحولات الديمقراطية فترة طويلة، اذ عمل جنرالات عبد الاله على تنحيته بعد ان حاول اقالتهم وذلك في شهر آب عام 2008 وانهار التعاون الاميركي مع موريتانيا. وطردت طائرة التجسس الاميركية التي وضعت في موريتانيا من اجل مراقبة معسكرات تدريب اعضاء القاعدة في شمال الدولة كما طرد 80 جنديا اميركيا كانوا يقومون بتدريب جنود الدولة على محاربة الارهاب وانتهت ميزانيات المساعدات.

قال دال ديلي منسق محاربة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية :«استخدمنا موريتانيا كنموذج للدولة التي يتوجب فيها دعم الديمقراطية». ووفقا لاقواله فان الرسالة الاميركية بسيطة :«عندما يجرون انتخابات ستتمتعون بامتيازات مثل الحصول على مساعدات عسكرية وسيادة القانون والتطوير الاقتصادي. وهذه هي الاعمدة الثلاثة التي ترتكز عليها محاولة هزيمة الارهاب وبناء مجتمع متطور وحكومة جيدة توفر الامن ولقد تحركت موريتانيا بهذا الاتجاه، وادى الانقلاب الى خيبة «امل كبيرة».

حاولت الطغمة العسكرية عرض الامور بصورة مغايرة واكدت ان عبد الاله تعامل مع الارهاب بصورة مرنة. وقال الزعماء الجدد ان الرئيس السابق حول الحزب الاسلامي الى حزب قانوني وطالب مساعدة الزعماء المسلمين المعتدلين بمحاربة الحركة السلفية المتطرفة التي تزداد قوتها، ووفقا لاقوالهم فقد مهد بذلك لتنفيذ عمليات وقعت في موريتانيا خلال العامين الاخيرين، لكن تجاهلت واشنطن مزاعمهم.

تنظر الطغمة العسكرية الان قيام الرئيس الجديد باراك اوباما باستبدال طابع التعامل معها وقال محمد اولد موين وزير الاعلام الموريتاني :«نأمل من الرئيس الشاب الذي يبدي اهتماما بالمصالح الافريقية ان يتفهم اوضاعنا».

الاتحاد

في الوقت الذي لم تكن تعمل فيه ادارة بوش على دعم الديمقراطية كانت تركز على البحث عن الارهابيين وتصفيتهم، اذ اطلقت صواريخا على المتمردين في العراق، افغانستان، باكستان، الصومال واليمن. وعمل عملاء مكافحة الارهاب في منطقة الساحل على مواجهة اشخاص مثل سيدي ولد سيدنه الشاب الموريتاني الذي اعتبر جنديا بسيطا في خلية تابعة لمنظمة القاعدة. تشير قصة سيدنه الى مدى غرابة وتعقيد تصرفات الجهاديين المناوئين للولايات المتحدة كما تشير الى ردود الفعل غير المتوقعة لادارة بوش.

ترعرع سيدنه في حي فقير في العاصمة الموريتانية نواكشوط ووفقا لاقوال اصدقائه وجيرانه فانه كان شابا يحب خوض نزاعات. وقال رفيق صباه: «لم يكن لصا، لان اللصوص يسرقون ويلوذون بالفرار، اما سيدنه فقد كان يأخذ ساعتك او قميصك امام عينيك». تعاطى المخدرات وشرب الكحول في صباه وسار مع اشخاص اكبر سنا منه، احب الرقص ونال لقب «لميده» واضافة الى السطو وسرقة السيارات يقود اصدقاؤه والسلطات ايضا بأنه تورط في عدة اعمال اغتصاب.

لكن يبدو ان يقظة ضميرية اندلعت لديه قبل وصوله العشرين من عمره وانضم لحلقة دراسية اسلامية خارج نواكشوط، وقضى سيدنه هناك عدة اشهر ومثل كثير من الشبان المتقلبين فقد كان يجب الاستماع لتسجيلات الجهاد خصوصا اقوال ابو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق. وقال زميله في الدراسة :«يريدون في جميع العالم الاسلامي مشاهدة الولايات الاميركية تنفجر والجنود الاميركيين يقتلون. وبن لادن والزرقاوي هما اللذان كانا ينفذان ذلك ولهذا كان سيدنه يحترمهما».

لم يعد سيدنه معتدلا فور عودته الى بيته وكجزء من التأثير الذي خلفه لديه الزرقاوي تبنى ايديولوجية «التكفير» التي يستخدمها متطرفون من اجل اضفاء مصداقية على العنف ضد «الكفره» وعمل على تحويل بعض من زملائه الى سلفيين (اتجاه متطرف في الاسلام السني) ووجه تعليمات الى اخواته بتغطية رؤوسهن وخاض لساعات طويلة جدالا مع والده وصفه فيها بالكافر. وتجول في الشوارع للتأكد من عدم سير رجل وامرأة غير متزوجين معا وقال لاخيه بأنه يريد الجهاد ضد الاميركيين وسافر لمعسكر تدريب.

وصل سيدنه في ربيع العام 2006 الى معسكر في شمال مالي اشرفت عليه حركة «جي، اس، بي، سي» الجزائرية السلفية، وكان بأمل ارساله قادة المعسكر له الى العراق لمحاربة الاميركيين، وذلك مثل كثير من شبان شمال افريقيا الذين ارادوا خوض الجهاد ضد الاميركيين بعد غزوهم العراق وافغانستان، وقال فرننندو رينارس الخبير الاسباني بالارهاب ان معسكرات «جي، اس، بي، سي» شكلت القنوات الرئيسة لتجنيد مقاتلين اجانب للعمل في العراق، واضاف :«لقد عملوا على تجنيد محليين وتدريبهم وارسالهم الى العراق» وتحدثت انظمة اوروبية عن عدد كبير من خلايا هذه المنظمة في المدن الكبرى. وقالت ايطاليا عام 2002 بأنها افشلت محاولة قامت بها «جي،اس، بي،سي» لتدمير مكان في سان بترونيو بلواء بولونيا، توجد فيه رسمه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يتعرض لتعذيب على ايدي الشيطان.

خابت امال سيدنه فور وصوله الى المعسكر، اذ اكتشف ان «جي، اس، بي، سي» لم تعد تبحث عن شبان لارسالهم للعراق خصوصا بعد ممارسة الولايات المتحدة ضغوطا على دول شمال افريقيا لوقف تدفق النشطاء على العراق، وان هذه المنظمة بدأت بالبحث عن متطرفين غير جزائريين من اجل ترويج الجهاد جنوب الجزائر.

توافقت مواصفات سيدنه بصورة نموذجية مع مخططات المنظمة، التي لم تكن ميزانيتها تتوافق مع تطلعاتها الكبيرة ولهذا اعلن الطبيب المصري ايمن الظواهري بتاريخ 11 ايلول عام 2006 وبعد مفاوضات مطولة عن «التوحيد المبارك» بين «جي، اس، بي، سي» ومنظمة القاعدة وقال بأن الاتحاد يشكل «عظمة في حلق الصليبيين الاميركيين والفرنسيين». واستبدلت «جي، اس، بي، سي» بعد عدة اشهر اسمها الى «القاعدة في المغرب الاسلامي» «ايه، كيو، آي، ام».

قتل في الصحراء

ركزت «القاعدة في المغرب الاسلامي» على الفور من موريتانيا وذلك لانها دولة شبه خالية بالامكان اقامة معسكرات تدريب فيها ولانها ايضاً حليفة للولايات المتحدة وتقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل «قطعت العلاقات مؤخراً» الامر الذي يجعلها هدفاً اعلامياً سهلاً.

وكانت «جي، اس، بي، سي» قد ارسلت في فترة سابقة حاتم ولد سماني، المتطرف الموريتاني الى بلاده، لاقامة خلية هناك، واطلق سماني على منظمته اسم «جيش الله في بلاد المرابطين» (سيطرت امبراطورية المرابطين على شمال افريقيا في القرن الحادي عشر»، واصبح في نهاية المطاف زعيم «القاعدة في المغرب الاسلامي» فرع موريتانيا.

ارسل سيدنه الى نواكشط من اجل البحث عن اهداف ممكنة ووفقاً لاقوال اخيه فقد عاد الى الوطن خائب الآمال بعد ان تدرب على اطلاق النار من مسدس وكانت لديه خبرة بالسرقة واصبح متطرف دينياً، وكان عليه العمل من اجل ان يصبح جزءاً من القاعدة.

هاجم سيدنه بعد ثمانية اشهر من انتخاب عبد الاله وترسيخ الديمقراطية في موريتانيا وحصولها على دعم الغرب، اذ قام برفقة اثنين من زملائه في عيد الميلاد عام 2007 وكان عمره آنذاك 21 عاماً باطلاق النار على خمسة سياح فرنسيين في الصحراء على بعد 250 كم من العاصمة نواكشوط وقتلوا اربعة منهم وتمكن عملاء المخابرات الفرنسية من القاء القبض عليهم بعد مطاردة دامت ثلاثة اسابيع في السنغال، غابيا وغينيا بيساو.

لقد بدا سيدنه لدى اعتقاله شاب نوادي اكثر منه ارهابياً، اذ كان يرتدي بنطال جينز ازرق ومعطف جلدي بني حليق الذقن، وقال عندما كان يسير بفخر نحو الطائرة بنفس يوم تسليمه الى موريتانيا للصحافيين «ستدفع غينيا بيساو ثمناً باهظاً بسبب طابع معاملتها السيئة للمجاهدين».

تمكن سيدنه من الفرار من السجن بعد ثلاثة اشهر واختبأ في منزل استأجره له سماني في نواكشوط وكان عدد من رجال المنظمات قد خزنوا اسلحة ومواد متفجرة في المنزل وقبل يوم من وصول سيدنه، سرقوا سيارة واوقفوها قرب المنزل «كانت سيارة سفير الولايات المتحدة في موريتانيا لكنهم وكما يبدو لم يعرفوا ذلك».

هاجمت الشرطة بعد عدة ايام المنزل واطلق رجال المنظمات النار وقتلوا شرطياً واستمر الاشتباك 15 دقيقة، واحتشدوا في سيارة السفير الاميركي التي انطلقت من المرآب وعبرت حاجز الشرطة ولاذت بالفرار عبر طريق ترابية، ولدى اطلاق النار عليها سقط احد رجال المنظمات من نافذتها، واختفى سيدنه ثانية.

وقال بعد اعتقاله بعد ثلاثة اسابيع ولدى احضاره الى المحكمة للقاضي بسخرية: «شهداؤنا في الجنة وقتلاكم في النار».

وقال زعيم «ايه، كيو، آي، ام» في الجزائر في فترة لاحقة بان سيدنه وزملائه على علاقة بمنظمته لكن قتل السياح كان وكما يبدو مبادرة شخصية من سيدنه وليس بناءً على تعليمات من القاعدة او فرعها في شمال افريقيا. وقال البروفيسور مايك مكغوبرين من جامعة ايل: «هكذا ستبدو القاعدة في المستقبل، اعضاء احرار يتجولون تحت المظلة الايديولوجية، يعملون جميعاً بإسم القاعدة».

حرب من نوع جديد

هل يثير عمل كتائب «العملاء الاحرار» اعضاء الجهاد الذين يعملون تحت اسم القاعدة وبارتباط هش معها قلقاً اكثر من عمل المنظمة بصورة مركزية؟ لا يوجد اتفاق بين اجهزة المخابرات الغربية حول طابع التهديدات، اذ يتطلعون في اوروبا الى التعامل مع هذه التهديدات التي تشكلها «ايه، كيو، آي، ام» بخطورة اكثر من تلك التي يعيرها زملاؤهم الاميركيين لهذه المنظمة.

استخدمت مؤسسات مكافحة الارهاب الاميركية بعد احداث 11 ايلول الرعب بكل ما له علاقة بمنظمة القاعدة، اذ اعتبرت كل مسلم شارك في اعمال عنف عضواً محتملاً في منظمة القاعدة بغض النظر عن ما الذي يحارب من اجله، لكن العنف السياسي والديني من الساحل الافريقي لم تكن له اي علاقة بالمتطرفين الذين يحاربون من اجل تطبيق الشريعة الاسلامية او الذين طالبوا بالانضمام للقاعدة، كانت الصراعات هناك وفي معظم الاحوال متعلقة بصراعات اقليمية قديمة وبخلافات عرقية او قبلية ومن الصعب عزل تأثير الاسلام على كل مواجهة في العالم الاسلامي.

لا ريب في ان منظمة «ايه، كيو، آي، ام» مكونة من مسلمين متطرفين مناهضين للولايات المتحدة، لكن يقول عدد من الخبراء في المنطقة فان هذا لا يعني تلقيهم تعليمات او اموال من بن لادن او انهم يشكلون تهديداً حقيقياً على الامن الاميركي. ووفقاً لاقوال ديل ديلي منسق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية فقد تمكنت المنظمة من خلال استبدال اسمها من «جي، اس، بي سي» الى «ايه، كيو، آي، ام» من الحصول على اموال «مكنتها من تنفيذ عدة عمليات انتحارية في الجزائر ادت الى ارتياح كبير في منظمة القاعدة».

لكن بعد استنفاذ الاموال عاد رجال «ايه، كيو، اي، ام» لاساليب عملهم القديمة المتمثلة بسرقة السيارات، الخداع بواسطة بطاقات الائتمان، التهريب والاختطاف. ووفقاً لاقوال ديلي فان هذا يشير الى ان المنظمة غير قادرة على الارتباط بالمؤسسة مالي ليسوا من طينة واحدة. وهل الموريتانيون من منظمة «ايه، كيو، اي، ام»؟ لم يحسم هذا الجدال بعد، اذ ان بعضهم يتلقون تعليمات من هذه المنظمة واقام بعضهم خلايا خاصة بهم».

الهجوم

اكتشف الجيش الموريتاني في شهر ايلول بعد شهر من الانقلاب اجتياز خمس سيارات فيها اعضاء من «ايه، كيو، آي، ام» الحدود من مالي الى موريتانيا تشق طريقها الى بلدة زوارت التي يوجد فيها منجم للحديد والتي تقع على بعد 800 كم شمال نواكشوط، وتشكل هذه البلدة بؤرة الاقتصاد الموريتاني واي تشويش على العمل فيها يلحق اضراراً كبيرة بالدولة وانطلقت قوة تم تشكيلها على عجل من جنود وشرطي ودليل مدني لالقاء القبض على المتمردين.

وقال الكولونيل محمد ولد الهادي رئيس جهاز المخابرات الموريتاني: «تريد القاعدة زعزعة استقرار دولتنا» وكانت هذه المنظمة قد حققت نجاحاً ملحوظاً ورغم المركزية «القاعدة»، الامر الذي يؤثر على قواهم البشرية وعلى تمويلهم وهكذا يجد مجندون جدد مثل سيدنه صعوبة بالوصول الى العراق او افغانستان ولم يعد بامكان الاعضاء التنقل والاتصال كما كانوا يفعلون في بداية العقد. وقال ديلي: «لقد اعطينا القاعدة رصيداً اكبر من حجمها بعد 11 ايلول، لقد رفعنا من شأنهم اكثر مما يستحقون».

ومع ذلك لا تعني حقيقة عدم تمكن المتطرفين في الجزائر، المغرب او موريتانيا من الوصول الى العراق بأن مشاعر المرارة لديهم قد تلاشت، ووفقاً لاقوال عسكري اميركي كبير فإن «الانخفاض على الطلب في العراق «المقصود مقاتلين من الجهاد» ادى الى تحرك بالاتجاه المعاكس للمقاتلين في شمال افريقيا اذ اصبحوا يعودون الى بلادهم وينضمون الى «ايه، كيو، اي، ام».

تسلل نتيجة لذلك الى شمال افريقيا متطرفون «عملاء احرار» ذوي ولاء مزدوج لا احد يعرف من الذي يسيطر عليهم وتدور شائعات حول خلافات بينهم وبين قيادة «ايه، كيو، اي، ام» ويقول مسؤول كبير خبير بشؤون شمال افريقيا: «رجال المنظمة في شمال كون العمليات في موريتانيا اصغر من تلك التي نفذت في الجزائر فإن تأثيرها كان اكبر، اذ شكل قتل السياح الفرنسيين في نهاية العام 2007 واطلاق النار على السفارة الاسرائيلية في نواكشوط بمطلع عام 2008 الى توجيه ضربة قاسية للسياحة، اذ الغي سباق السيارات من باريس الى دكار والذي يمر عبر موريتانيا، ووفقاً لتقديرات مختلفة فقد انخفض عدد السياح في الدول بحوالي النصف.

لم يكن اي من الذين قاموا بمطاردة المتمردين قد اجتاز تدريبات على محاربة الارهاب على ايدي الاميركيين ولهذا تحولوا من مطارِدين الى مطارَدين، واكتشفوا بعد حلول الظلام آثار السيارات على الرمال وغمر المتمردون سيارات المطاردين بأضواء قوية وشلوا حركتهم واقتربوا منهم واطلقوا النار عليهم.

واشارت التقارير الاولية الى اختطاف اعضاء المنظمة للجنود وطالب الجيش الموريتاني مساعدة الولايات المتحدة من اجل القاء القبض عليهم قبل عودتهم الى مالي، لكن رفض الاميركيون هذا الطلب وقالوا انه يجب اولاً اعادة عبد الاله الى السلطة.

وبعد يومين من نصب الكمين وفي الوقت الذي كان فيه البحث جارياً عن الجنود المختطفين اعلنت «ايه، كيو، آي، ام» عن مهاجمتها «هؤلاء الذين يمتثلون لتعليمات اليهود»، وورد في بيانها: «نصب كتائب المجاهدين لجيش الكفرة ونجحت بأسر 12 جندياً، ولاذ باقي اعداء الله بالفرار بعد فشلهم وهزيمتهم». وقال عسكري موريتاني انهم عثروا في اليوم التالي في منطقة كانت تحلق نسور فوقها على جثث 12 جندياً عراة، وكان ثلاثة منهم مفخخين وكانت رؤوس جميعهم باستثناء واحد مقطوعة».

اعادة تقييم

ظلت اهداف محاربة الارهاب في نهاية الادارة الثانية لبوش كما هي: تدمير المنظمات وتشجيع الديمقراطية، لكن طرأ تغير على اساليب تطبيق ذلك، ويبدو ان ادارة بوش ادركت في عامها الاخير ان التأييد الاميركي التام للرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف ادى الى وجود اعداء كثيرين للولايات المتحدة. وعقدت الادارة الاميركية الآمال على الامتناع عن ذلك في موريتانيا، حتى عندما وصفت الطغمة العسكرية الموريتانية الزعماء المدنيين الذين سبقوها بالفاسدين والضعفاء في مواجهة الارهاب.

تعيد ادارة اوباما بلورة الحرب ضد الارهاب: اذ وعد الرئيس باغلاق السجن العسكري في غوانتنامو وحذر رئيس هيئة الاركان مايك مالن من عسكرة السياسة الخارجية، ويشكل جزء من اعادة التقييم في واشنطن بقدرة الجيوش على حل المشاكل السياسية.

ستستمر محاربة القاعدة بدون ادنى شك، لكن التحليل الدقيق يأخذ بالحسبان تطوير توجهات اكثر دقة لمحاربة الارهاب، ويأتي هذا التغير كنتيجة لاعادة التقييم في واشنطن والذي يتناول النموذج العملي الهش لدى بن لادن: الخلايا. وقال مسؤول كبير في الادارة الاميركية: «في ظل الاوضاع التي تمر بها «ايه، كيو، آي، ام» وبالمقارنة مع اوضاع «جي، اس، بي،سي» اعتقد بأن الدمج لم يعمل لصالحهم». تجري الان قيادة محاربة الارهاب بناءً على توجهات جديدة وقد لا تبدو النتيجة شبيه بالحرب.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button