مقالات

إيران ترد على المغرب في… موريتانيا!

محمد الأشهب / الحياة – لندن 27/03/09//

في حدة الأزمات يكون الوقت ملائماً للإفادة من أي ثغرة أو نفق، ويبدو أن المجلس الحاكم في موريتانيا كان في الموقع المناسب لقطف ثمار الأزمة الناشئة بين المغرب وإيران. أقله أنها شرّعت الأبواب أمامه لحيازة شرعية سياسية ذات لباس ديني، بالنظر الى أن أشد الانتقادات وطأة جاءته من تيارات اسلامية، وإن لم تعرف عنها ارتباطات بإيران، فالأهم أن وزير خارجية ايران منوشهر متقي حط الرحال في العاصمة نواكشوط بهدف معاودة ترتيب علاقات بلاده مع بلدان الشمال الافريقي.

بين الطرح المغربي الذي يتمسك بالطابع الثنائي لأزمته مع إيران التي آلت الى قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران، والرد الإيراني الذي يتجه نحو انفتاح أكبر على المنطقة المغاربية، يكمن مظهر آخر للصراع، يتداخل في ثناياه ما هو سياسي بما هو ديني، غير أن المغرب الذي رفض إقحام أي شيء على حدوده الجنوبية مع موريتانيا لا يمكن أن يقبل زرع شكوك في المساحات ذاتها، أكانت ذات رداء سياسي أم خلفية مذهبية. ما يشير الى أن الأزمة مع إيران في طريقها لأن تجرف معطيات وحسابات.

ليست موريتانيا حلقة ضعيفة كما كان يتردد سابقاً، ولكن وضعها السياسي منذ اطاحة نظام الرئيس الشيخ ولد عبدالله جعلها أقرب الى الانجذاب لصراعات اقليمية وظرفية، فقد كان يكفيها تعليق السفارة الاسرائيلية في نواكشوط ليفسح أمامها في المجال أمام تطبيع ايجابي مع الجماهيرية الليبية، الى درجة دفعت الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أن يجرب وصفة وساطات للتقريب بين مواقف الاخوة الأعداء في صراع السلطة. وكان يكفي الجنرال محمد ولد عبدالعزيز أن يطير الى قمة الدوحة لملاقاة منتقديه من بين عواصم الشمال الافريقي. أما الآن فإن الأزمة بين الرباط وطهران مكنت بلاده من جولة حوار مع ايران يعتبر اختراقاً بكل المقاييس. ومن يدري فإن تطورات في الموقف الأوروبي وفي العلاقات مع بلدان الجوار الافريقي قد تقلل من مضاعفات التضييق على النظام الجديد في حال مراعاته مطالب لا تقتل الذئب ولا تفني الغنم.

قبل اندلاع الأزمة الراهنة بين الرباط وطهران استضافت نواكشوط اجتماعاً رفيع المستوى لمسؤولين أمنيين في المنطقة المغاربية، كان جدول أعماله يختزل التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة، أكان ذلك على صعيد تنامي الانفلات في ضوء تصعيد تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الاسلامي تحركاته، أو على خلفية تزايد المخاوف من تحويل رقعة بلدان الساحل جنوب الصحراء الى افغانستان ثانية، بيد أن الرباط اختارت وحدها أن تنعت خلافاتها مع إيران بأسمائها الحقيقية، ونحت في اتجاه الإبقاء على الطابع الثنائي للأزمة.

قد تكون الرباط سعت من وراء ذلك الى توجيه أكثر من رسالة، ليس أبعدها أنها تلوح بتحملها المسؤولية وحيدة إزاء ما تعتبره قراراً يندرج في اطار ممارسة السيادة. غير أن الرد الايراني، وفي ضوء استمرار علاقات شبه عادية مع كل من الجزائر وليبيا، يطرح الوجه الآخر لتداعيات الأزمة. ومن ذلك أن ما يريده المغرب ثنائياً ترغب ايران في “تدويله” اقليمياً. ذلك أنه على رغم البُعد الأمني والمذهبي للأزمة التي كان ممكناً أن تنفجر قبل هذا الوقت، فإن المنطقة المغاربية تظل المتنفس الطبيعي للمغرب في محيطه الاقليمي، وإن تأثرت بتداعيات الموقف من نزاع الصحراء وإشكالات عدة.

في ظاهر الصورة أن المغرب رمى بنظرته في اتجاه منطقة الخليج للرد على ما اعتبره استفزازات ايرانية لمملكة البحرين، فيما يأتي الرد الايراني الآن على مرمى بصر من جوار المغرب في منطقة الشمال الافريقي، فهل يعني ذلك أن البُعد الجغرافي بين الرباط وطهران يراد اختزاله في مساحات أخرى؟

الراجح أن قرار الرباط قطع علاقاتها الديبلوماسية مع ايران صدر من طرف واحد. غير أن الاشكالات القانونية لموقف كهذا لا تفسر كل شيء. فالجغرافيا تبعد البلدان عن بعضها لكن الحسابات السياسية يمكن أن تقربها أكثر الى حيث المجالات الحيوية لهذا الطرف أو ذاك.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button