مقالات

المجلس العسكري في موريتانيا يدير ظهره للعالم ويعمل وفق برنامجه

أ ش أ: وسط جو من الترقب مازالت الأوضاع في موريتانيا غير مستقرة ” فقد توالت الاحتاجاجات الشعبية الرافضة للانقلاب وشارك أكثر من 300 شخص أخيرا في احتجاج على الانقلاب, وبدأ 19 نائبا فى البرلمان من أصل 151 مبادرة برلمانية للدفاع عن الديمقراطية, وعودة الرئيس المخلوع الى السلطة, كما انسحبت مجموعة من انصار الرئيس الموريتاني المخلوع من الحزب الحاكم.
فلم يكد يمر عام ونصف العام على أول تجربة ديمقراطية تنعم بها موريتانيا في تاريخها الحديث الا وداهمتها مجددا الانقلابات العسكرية حين فوجىء العالم في السادس من الجاري بانقلاب عسكري أبيض أطاح بنظام الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله, الذي تولى السلطة في 19 ابريل من العام الماضي بعد تجربة ديمقراطية فريدة من نوعها, في العالم العربي حيث تمت العملية الانتخابية بحرية وشفافية, وبتأييد من العسكريين أنفسهم بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس ولد الطايع العام .2005
وكان العسكريون الذين سيطروا على الحكم, واعتقلوا الرئيس المنتخب قد أعلنوا تشكيل مجلس دولة لحكم البلاد برئاسة الجنرال محمد ولد عبدالعزيز الذي كان يشغل منصب قائد الحرس الرئاسي, ويضم المجلس 11 عضوا كلهم من العسكريين وتعهدوا في بيان صادر عن مجلس الدولة الذي تشكل بعد الانقلاب العسكري ب¯ »اجراء انتخابات ديمقراطية فى أقرب وقت ممكن«.
كما عين رئيس مجلس الدولة رئيسا للوزراء وهو مولاي ولد محمد الأقظف بينما رفض يحيى ولد أحمد الواقف, رئيس الوزراء السابق في حكومة الرئيس الموريتاني المخلوع تسليم منصبه لرئيس الوزراء المكلف.
لقد تعاطف العالم مع التجربة الديمقراطية في موريتانيا, مما يفسر الى حد كبير حجم التنديد بالانقلاب العسكري والمطالبات باعادة الرئيس المنتخب, ورغم تعهد الجنرال محمد ولد عبد العزيز التزام موريتانيا باتفاقياتها الدولية ورغم تعهده باجراء انتخابات فى أقرب وقت ممكن, فإن هذا لم يكن كافيا للغرب والولايات المتحدة لتأييد الانقلاب. فالاتحاد الأوروبي يهدد بوقف مساعداته الاقتصادية لموريتانيا بمبلغ مئتي مليون دولار, وأقدمت الولايات المتحدة على الغاء مساعدات بقيمة عشرين مليون دولار .
كما علق الاتحاد الأفريقي عضوية موريتانيا, وهذه ليست المرة الأولى التي تعلق فيها عضويتها, فقد علقت بعد انقلاب العام 2005 بقيادة الجنرال ولد فال, وقد تم رفعها بصعوبة بعد تعهد النظام العسكري بجدول زمني محدد لاجراء الانتخابات, ويرى المراقبون ان تعليق عضوية موريتانيا في الاتحاد الأفريقي »سيطول الا اذا اتخذوا خطوات سريعة ومقنعة للعودة الى الحكم الديمقراطي«.
وقد شهدت موريتانيا منذ الاستقلال في العام 1960 نحو 14 انقلابا, وهو رقم كبير, وبالتالي فقد كانت عملية انتخاب رئيس مدني بحرية وشفافية استثناء من القاعدة.
ويرى محللون ان »المفارقة« في أن رئيس المجلس العسكري الحاكم شارك في الحكم العسكري »حكم معاوية ولد الطايع« وواحد ممن ساهموا فى تسليم السلطة للمدنيين, ورغم التعهدات والتطمينات التي أطلقها محليا ودوليا بالحرص على استقرار البلاد, وبالاحتفاظ بالمؤسسات العاملة, كالجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وباجراء انتخابات رئاسية جديدة, الا ان الغموض وعدم افصاحه عن نواياه أثار الكثير من الشكوك والمخاوف على مستقبل الديمقراطية الموريتانية, بل ان كل الموفدين الإقليميين سواء من الاتحاد الأفريقي أو جامعة الدول العربية خرجوا من لقاءاتهم معه وهم ممتلئون بتعهدات وتطمينات بشأن استقرار البلاد دون استجابة حقيقية لمطالبهم المبدئية التي جاؤوا بها فقد طالبته المنظمات الإقليمية والدولية بالالتزام بالشرعية وضرورة الافراج عن الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبد الله, وباعادة السلطة للمدنيين واعادة الرئيس الشرعي المنتخب.
ورغم العقوبات الاجرائية التى فرضت على موريتانيا وتعليق عضويتها فى الاتحاد الأفريقى, الا ان النتيجة كانت المزيد من الاصرار على الاجراءات الانقلابية, فقد صرح رئيس المجلس العسكري الحاكم بأن الرئيس المخلوع سيبقى محتجزا لأسباب أمنية, كما أنه لايمكن تحديد تاريخ محدد للانتخابات الرئاسية في الوقت الراهن لأن المجلس العسكري الحاكم يعمل وفقا لأولويات البلاد وحاجة الشعب ولم يتم تحديد هذه الأولويات التي ينوي العمل بها .
وفي الوقت نفسه لم يقدموا أي رؤية سياسية تضمن استقرار البلاد أو احتفاظها بالتجربة الديمقراطية التي عاشتها موريتانيا, بالاضافة الى أنهم لم يطمئنوا الشعب الى سبل الخروج من الأوضاع الاقتصادية الخانقة, وأخيرا لم يحددوا موقفهم من العلاقات الخارجية للبلاد, وخصوصا مع المحيط الأقليمي لموريتانيا سواء العربي أو الأفريقي.
ومن ناحية أخرى فهناك بعض المتفائلين بأداء قادة الانقلاب العسكري اذ اتفقوا على ان الانقلاب يعد حركة تصحيح لضبط الأوضاع في البلاد التي كادت تتحول الى نسخة أخرى مما كانت عليه أيام الرئيس السابق معاوية ولد الطايع والذي أطاحه انقلاب العقيد ولد فال في العام 2005 . ويتساءل المراقبون رغم الاخذ فى الاعتبار وجود هذه الأوضاع ألم يكن في الدستور والقوانين الموريتانية مايمكن أن يصوب الأخطاء التي يرتكبها الرئيس من دون اللجوء الى استخدام القوة معه, مع مايستتبع ذلك من مخاطر على الديمقراطية الناشئة وعلى صورة موريتانيا أمام العالم الذي لم يعد مقبولا لديه الانقلاب على الديمقراطية تحت أى شكل ومهما كانت المبررات?
كما يفترض المراقبون ان كل وسائل المحاسبة موجودة وربما تكون كافية لتصويب أى مسار مسؤول ايا كان منصبه, لكن المشكلة هي في مدى الاحترام للدستور والقوانين ومدى الرغبة في الاحتكام اليها, ومدى قبول مبدأ المحاسبة والشفافية, فمثلا لو أن الرئيس المخلوع لم يلجأ الى الأليات المتوارثة في مواجهة الآحداث التي وقعت بانسحاب عدد كبير من نواب الحزب الحاكم, وأطاح بأربعة عسكريين كبار يعتبرهم المحرك لكل ماحدث, ولجأ الى الوسائل الديمقراطية لعلاج الموقف المتأزم لم يكن حدث ماحدث? وبالتالي لم يكن أمام هؤلاء العسكريين غير الاطاحة به, ولهذا سقطت موريتانيا في أول سنة للديمقراطية, وكانت أمامها فرصة تاريخية لتكون صاحبة تجربة ديمقراطية كاملة.
لقد جاء الانقلاب العسكري في موريتانيا في أعقاب أزمة داخلية بين الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله, وعدد من أعضاء البرلمان من حزب الرئيس نفسه الذين قدموا استقالاتهم لاظهار فشل الرئيس, وارجاء الموافقة على تعديل مشروع موازنة الدولة, وهو ما اعتبره الرئيس محاولة لاصابة البلاد بالشلل مهددا بحل البرلمان, ثم اتهام الرئيس وأسرته بالتربح من المال العام, واكتشاف قضية ضخمة لتهريب المخدرات, الى جانب ان الرئيس كان يهتم اهتماما كبيرا بملف اللاجئين الموريتانيين فى السنغال الذي استكمل مرحلته الأولى مع عودة أكثر من ثلاثة آلاف شخص منهم »وكان نحو نصف مليون شخص قد غادروا البلاد اثر الأزمة بين البلدين في صيف العام 1989« وبعدها انتقل الى المرحلة الثانية المتمثلة في فتح ملف مايسمى بمخلفات الارث الانساني وهو اصطلاح يطلق على مايقال عن تورط كبار ضباط الجيش في تعذيب وقتل عدد كبير من المواطنين الموريتانيين أواخر الثمانينات من القرن الماضي أثناء أحداث العنف العرقية, وهو ملف حساس ويحمل جراحا عديدة تتعلق بالابعاد القسري للزنوج, وكان اقفال هذا الملف من أهم أسباب تحرك العسكريين لتقليص صلاحيات الرئيس والاطاحة به.
الى جانب ذلك كان هناك اصرار من الرئيس المخلوع على اعادة تعيين يحيى ولد احمد الواقف رئيسا للحكومة التي قدمت استقالتها قبيل سحب ثقة البرلمان منها مما أعتبر في نظر الكثيرين تحديا من جانب الرئيس للارادة الشعبية التي يعبر عنها هؤلاء النواب, والذين كانوا قد أصروا على اسقاط الحكومة.
كما عجزت الحكومة عن معالجة أزمة الغلاء ولاسيما في أسعار السلع الغذائية وكذلك مشكلات الفقر والبطالة »46 في المئة من السكان تحت خط الفقر« و32 في المئة نسبة البطالة. وموريتانيا بلد فقير ولكنه غني بموارده الطبيعية, فلديه النفط الذي اكتشف اخيراً, ولكن أثاره لم تظهر بعد على الشعب الموريتاني, ولديها مناجم كثيرة للنحاس والحديد والذهب, ولكن اكثر من ذلك ثروة سمكية هائلة تدفع أساطيل صيد السمك الأوروبية وغيرها للتسابق على الصيد فيها, ولكن الفساد وسوء الادارة قللا كثيرا من قدرة الشعب الموريتاني على الاستفادة من هذه الثروات, ولعل هذه الظروف الموضوعية هي التي وفرت بالفعل مناخا مواتيا للانقلابيين.
ويرى المراقبون أن الأزمة الحقيقية التي أجهضت التجربة الديمقراطية في موريتانيا رغم التفاؤل الذي ساد جميع الأوساط منذ أن اجريت الانتخابات الرئاسية هي ان اطراف العملية السياسية لم يتفقوا على القواعد السياسية التي يلتزم بها الجميع, بما يحول دون فشل التجربة اذ تعامل الرئيس المنتخب مع التطورات التي شهدتها البلاد وكأن ليست هناك مؤسسات أخرى موازية وقوية تستطيع ان تجهض التجربة, فقد اصطدم الرئيس بالمؤسسة العسكرية القوية في موريتانيا من دون ان يضع في حسابه أنها يمكنها الانقلاب عليه .
ومن وجهة نظر كثير من المراقبين فإن المشكلة في موريتانيا هي ان هناك عوامل عديدة تتداخل في العملية السياسية, وعلى من يحكم فيها ان يضع كل ذلك في حساباته حتى يمكنه أن يدير مقاليد الدولة في سلام ومنها دور المؤسسة العسكرية والعلاقة بين النخبة السياسية والنخبة العسكرية فاذا كانت العلاقة محددة بصورة دقيقة لم تكن موريتانيا قد شهدت أزمتها السياسية الاخيرة فهناك في بعض الديمقراطيات العريقة قواعد عرفية احيانا ودستورية احيانا اخرى تضع الضوابط بشأن مدى حرية رئيس الجمهورية اي رأس السلطة التنفيذية في التدخل فى شؤون المؤسسة العسكرية وامكانيات اقالة القيادات الكبرى ولهذا كان على الحكم المدني الموريتاني ان يضع في اعتباره خصوصية المؤسسة العسكرية الموريتانية وقوتها قبل ان يدخل في صدام معها ينتهي باقالة رئيس الاركان والحرس الجمهوري على الاقل حتى تستقر التجربة الديمقراطية .
ولكن يبدو ان الرئيس وهو يتخذ قرار الصدام تصور ان القوى الخارجية المهتمة بالتجربة الديمقراطية الموريتانية سوف ترفض الانقلاب العسكري اذا ماتم و بالتاليي هو في موقع قوة رغم انه كان عليه ان يستفيد من تجربتين تغاضت فيهما القوى الدولية عن انقلابات عسكرية على حكومات مدنية تمت في موريتانيا, كما أن الرئيس المخلوع لم تكن لديه الخبرة الكافية فلا استطاع السيطرة على حزبه, ولا استطاع الحفاظ على تفاهمه مع العسكريين, وكان عليه ان يدرك انه يحتاج الى مزيد من الوقت والصبر والصمود .
ومن هنا يرى المحللون السياسيون ان التفكير في مستقبل موريتانيا لايجب ان يقتصر فقط على موعد اجراء الانتخابات الديمقراطية, وعودة الحكم المدني ولكن لابد التفكير ايضا في البحث عن الضمانات الحقيقية التي يجب تطبيقها من أجل عدم تكرار التجربة نفسها وعودة الانقلابات الى موريتانيا مرة أخرى, الى جانب مساعدة هذا الشعب على تجاوز محنته ومساعدة كل الأطراف الموريتانية على ايجاد صيغة للتوافق في ما بينهم والتوصل الى حل يناسب الجميع والمحافظة على الدستور والبرلمان والأحزاب ونشر ثقافة الديمقراطية.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button