مقالات

– إذا تزاحمت العقول.. رشح الجنرال

بقلم : أحمدو ولد الأمين الغزالي

شهدت العاصمة انواكشوط مؤخرا لقاء كرنفاليا احتضنه قصر المؤتمرات التأم تحت عنوان: المنتديات العامة للديمقراطية، و هو عنوان جذاب يوحي أن الشأن الديمقراطي و كل ما يتعلق بمفرداته – من احترام الرأي الآخر و تكريس للحريات العامة و الفردية و ترسيخ التعددية الحزبية و النقابية و إرساء مبدأ التسيير الشفاف و الرشيد للموارد العمومية و الاحتكام إلى صناديق الاقتراع كوسيلة وحيدة للوصول إلى السلطة و احترام إرادة الشعوب- ستكون موضوع البحث و التمحيص بكل تجرد و نزاهة دون قوالب جاهزة و لا أفكار معلبة ووحدها النقاشات البناءة و مقارعة الحجة بالحجة هي التي ستعطي خلاصة نهائية ترسم خارطة طريق للمشهد السياسي في البلد مستقبلا.
و لم يكن منظموا المنتديات محظوظين – إعلاميا على الأقل- لأن انطلاقة المنتديات تزامنت مع بداية العدوان الصهيوني على غزة مما جعل الأنظار محليا و دوليا متجهة صوب القطاع الجريح ولم يعد هناك محل من الإعراب لدى أية فضائية أو وكالة أنباء لتناول أي موضوع آخر في أية بقعة من العالم و طغى الحدث الغزاوي على غيره من الأحداث التي بدا و كأن العالم قد نسيها أو تناساها.
هذا الغياب لنافذة دولية على منتديات انواكشوط التشاورية جعل الفضوليين مجبرين على متابعة الحدث فقط من خلال وسائل الإعلام العمومية التي “قاومت” قوة الحدث الرئيسي بكل المقاييس و كرست المساحة الكبيرة من تغطيتها للمنتديات عبر تقارير يومية عن سير الورشات و لقاءات هامشية مع المشاركين و طاولات مستديرة و حلقات نقاش مسائية تعاد على مدار الساعة لفائدة من فاتهم الاستماع إضافة إلى استطلاع “آراء” المواطنين في العاصمة و في الداخل بواسطة مايكرفون متجول يختار جمهوره المستهدف بعناية.
و رغم إجماع المشاركين على أن الحرية في الطرح طبعت سير الورشات و أن كل الآراء التي قدمت استمع إليها و دونت و ظهرت في المحاضر النهائية، و أن الواقع كذب زيف الادعاءات القائلة إن المواضيع المطروحة للنقاش محددة سلفا.
رغم كل هذا و ذاك فإن المتابع لهذه التغطية –وهي متابعة مبتورة لعدة أسباب أهمها طغيان المشهد الغزاوي- يخرج بانطباع مؤداه أنه إذا كانت الحرية قد منحت للمتدخلين في القاعات -كما يقول من استمعنا إليهم- فيبدو أن شرط بث المداخلات التلفزيونية ألا تخرج المداخلة عن أحد الأمور التالية:
– الإشادة بالمنتديات و أهمية ما سيخرج عنها من نتائج.
– ضرورة أن يشارك الجميع و أن يلتحق المخلفون بالركب.
– شكر المجلس العسكري و الجنرال محمد ولد عبد العزيز على هذه “المنحة الغالية” المهداة إلى الشعب الموريتاني.
– إذا كانت هناك نقطة حظيت بالإجماع لدى مختلف العينات التي استمعنا إليها –على الأقل في زاوية آراء المشاركين في التلفزيون- فهي الدعوة الصريحة إلى ترشيح الجنرال محمد ولد عبد العزيز للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، و هي دعوة تكررت على أكثر من لسان كأنما تريد أن تترك إيحاء لدى المتلقي أن المسألة غدت مطلبا جماهيريا عبرت عنه الوفود المشاركة: <<أكثر من 1500 مشارك يمثلون مختلف الأطياف و التشكيلات و النقابات و موريتانيا الأعماق و الموريتانيين في الخارج>> أغنية استمعنا إليها على مدى عشرة أيام و النادر أن يتدخل أحدهم ليشير إلى أهمية النتائج المنتظرة من المنتديات دون أن يستطرد المثل العربي: <<إذا تزاحمت العقول خرج الصواب>> حتى أصبحت هذه الحكمة من كثرة تكرارها سمجة ثقيلة.
ولكن الذي لم ندركه إلا لاحقا أن “الصواب” الموعود كزبدة لأزيد من أسبوع من التشاور والنقاش سيختزل في نقاط محددة:

– ضرورة منح المجلس العسكري الوقت الكافي لإنجاز “برنامجه”
– المطالبة بترشح الجنرال محمد ولد عبد العزيز باعتباره رئيس الفقراء والمحرومين فالموريتانيون لا يبحثون عن ديمقراطية لا توفر لهم الدواء و المسكن و تخفض عنهم الأسعار… و هذه أمور عاشوها على يد الجنرال و لا يريدون ديمقراطية غيرها.
و لنا أن نتساءل:
-هل ترشيح هذا الشخص أو ذاك يستدعي كل هذا الزخم و هذه الحشود؟ و تعطيل أمور الدولة على مدى أسبوعين، الولاة و العمد و رؤساء المصالح كانوا مشغولين بهذه الأيام و ما على المراجعين سوى الانتظار فمبدأ الاستمرارية غائب عن أدبيات الممارسة الإدارية اليومية في موريتانيا.
-هل تختزل “الديمقراطية على الطريقة الموريتانية” التي كثيرا ما تعالت الأصوات مؤخرا للترويج لها في تكريس حكم الفرد أي فرد مهما قيل عن خصاله و ميزاته؟ !
-إذا كانت هذه المنتديات -كما قيل- فرصة نادرة للموريتانيين لتدارس شكل النظام السياسي الذي يبحثون عنه و الاتفاق على آليات سير مطرد للمؤسسات الدستورية بشكل يقطع الطريق نهائيا أمام تدخل الجيش فلماذا نفوت هذه الفرصة بهذه الرعونة و هذا التبسيط في الطرح؟ !
-مادام الشعب الموريتاني لم يجن من الديمقراطية إلا الفقر و الجوع و التهميش و نهب المال العام بينما “تفيأ خلال أشهر قليلة من حكم المجلس الأعلى للدولة ظلال الإحساس بمشاكله و السعي الصادق لحلها و تحقق له على الأرض خلال فترة وجيزة و بموارد محدودة ما عجزت الأنظمة المتلاحقة عن تحقيقه طيلة خمسة عقود رغم الهبات و القروض السخية” و العهدة على رواد التنظير للمرحلة القادمة فما الداعي إذا إلى تنظيم انتخابات رئاسية تعددية؟ فهي إما أن تكون محسومة النتائج سلفا، و هنا يعد تنظيمها عبثا و مضيعة للوقت و المال، أو أن توصل إلى السلطة شخصا آخر غير “ابن البلد البار” الذي التفت الجماهير حوله و تريده رئيسا وحيدا للبلاد؟
-ألا ينبغي أن نقطع الطريق أمام تحالف المافيا و اللوبيات حتى لا يسرق “إرادة” الشعب و يغتال “حلمه” من خلال دعم مرشح آخر ليس له حنان الجنرال و عطفه؟ !
-ألا يعتبر ترشح أي شخص آخر غير”القوي الأمين” إساءة للشعب الموريتاني و سوء أدب مع قناعاته و خياراته؟ !
-لماذا لا نستلهم نماذج أخرى تستعيض عن الانتخابات بالاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية ينال فيه المرشح الوحيد ثقة الشعب بنسبة 99.99 % و نستريح من وجع الرأس و حمى الحملات؟ !

ربما نحتاج إلى جولة أخرى من المنتديات لمناقشة أو تعميق هذه الأفكار، و صياغتها في خلاصة نهائية، و حينها يمكن القول: إذا تزاحمت العقول…

أحمدو ولد الأمين الغزالي
Alghazaly54@yahoo.fr

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button