مقالات

– خاص بالجنرال .. كن ملكا وسأبايعك ،

بقلم : محمد الأمين بن الفاظل

كن ملكا وسأبايعك ، سأبايعك لأني سئمت مما أشاهد في التلفزيون وأسمع في الإذاعة وأقرأ في الشعب ، سئمت تلك الأوجه الشاحبة والأيادي البائسة وسئمت تلك البيانات الهزيلة والمسيرات الفولكلورية ، لقد سئمت كل هذا النفاق ولم أعد قادرا علي أن أتابع نفس الأوجه تخرج عن بكرة أبيها وهي تطالب بمحاكمة الرئيس “المؤتمن” بعد أن تابعتها ذات يوم تخرج عن بكرة جدها دعما لهذا الرئيس “المؤتمن” مثلما تابعتها قبل ذلك تنظم المبادرات وتخرج عن بكرة عمها مطالبة بتمديد الفترة الانتقالية وببقاء العقيد ومثلما تابعتها قبل ذلك وهي تفتح فصول محو الأمية وتتزاحم داخل دور الكتاب لتطالع كتب الطبخ ثم تخرج قبل وأثناء وبعد ذلك عن بكرة أبيها وجدها وعمها لتبارك وتمجد كل زلات “التصحيح الأول” .
لقد سئمت مشاهدة المسيرات والمبادرات والمظاهرات الحاشدة التي تخرج مطالبة بمحاكمة الرئيس ـ أي رئيس ـ عندما يصبح رئيسا سابقا ، كما سئمت المسيرات والمبادرات والمظاهرات الحاشدة التي تخرج لدعم ومساندة أي مواطن موريتاني يصبح رئيسا للبلاد بانقلاب عسكري أو بانقلاب انتخابي أو بانقلاب لا هو عسكري ولا هو انتخابي !!
لقد سئمت هذا كله ، سئمته ، سئمته ، سئمته ….
ولقد سئمت سماع من كان يهدد بمحاكمة “التصحيح الأول ” إذا هو لم يترشح يطالب بعد زوال مُلك ” التصحيح الأول ” بمحاكمة هذا ” التصحيح “علي جرائمه البشعة والتي رغم بشاعتها لم تشعر بها “القوي الحية ” في هذا البلد إلا بعد أن غادر ” التصحيح الأول ” القصر الرئاسي إلي دولة قطر الشقيقة .
ولقد سئمت سماع من كان يقول لنا وإلي وقت قريب بأن ” المرشح المؤتمن ” هو “الرئيس المؤتمن ” والذي ظل مؤتمنا لدي هؤلاء حتى الساعة التاسعة بتوقيت ” بلاد الرحل ” من يوم الأربعاء السادس من أغسطس من عام 2008 والذي كان يوما تاريخيا شهد أكبر عملية ترحال سياسي عرفتها “القوي الحية ” في يوم واحد وهي ” قوي حية ” تُُبَدل جلدها مع كل تصحيح جديد حتى تتمكن من تلطيخه ودفنه في َوحَلِ التاريخ لِتُشَرع بذلك لتصحيح آخر يأتي ليصحح التصحيح السابق الذي جاء بدوره ليصحح تصحيحا سابقا .
ولأني أعلم بأن هذه ” القوي الحية ” ستطالب في أول تصحيح قادم من خلال مسيرات حاشدة بمحاكمة قادة التصحيح الحالي وذلك عندما تكتشف فجأة أخطاء هذا التصحيح بعد أن يأتي تصحيح جديد يولد معه التاريخ من جديد وتتنافس فيه الناس علي تأسيس المبادرات وتنظيم المسيرات والتحدث عن الظلمات التي كان يتخبط فيها البلد قبل بداية التاريخ !
ولأني أعلم بأن ” نجوم المسرح ” سيزداد تألقهم مع التصحيح القادم فمنهم من سيعد مسرحيات ساخرة “تتواصل ” عن التصحيح الحالي عندما يصبح تصحيحا قديما ومنهم من سيقدم برامج وحوارات وندوات مسرحية للتحدث عن كوارث هذا التصحيح يقدمها ” كبار نجوم صحافة المسرح الرسمي ” من خلال قنوات الإعلام الرسمي الذي يوصف زورا وبهتانا بأنه إعلام وطني .
ولأني أعلم ذلك كله ولأنه لم تعد لي القدرة علي متابعة من يبالغون اليوم في مدح التصحيح الحالي وهم يبالغون غدا في تعداد أخطائه ، لأنه لم تعد لي القدرة علي ذلك فأرجوك أن تنصب نفسك ملكا علي هذه البلاد وسأكون من أول المبايعين .
سأكون من أول المبايعين لأني سئمت حقيقة من تحول كل مواطن يصبح رئيسا لهذا البلد إلي ملك (بفتح الميم واللام )ثم تحوله إلي شيطان بمجرد أن يصبح رئيسا سابقا .
لقد سئمت هذا كله ، سئمته ، سئمته ، سئمته …….
ولقد سئمت كل الحروب المسرحية التي تم خوضها ـ في الماضي والحاضرـ علي شاشة التلفزيون أو في استوديوهات الإذاعة أو علي صفحات الشعب دون أن يكون لها أثر علي أرض الواقع .
مرة تخاض حربا مسرحية شرسة ضد الأمية والجهل فيساق الناس جماعات وفرادى بعلمائهم وساستهم ومثقفيهم وفنانيهم تقودهم ” قواهم الحية ” إلي “شاشة ” المعركة في جيش جرار بلا أول ولا آخر لم تشهد له البلاد مثيلا ، ثم عندما ينكشف غبار المعركة وتضع الحرب أوزارها ويبدأ الناس في تحديد حجم خسائر العدو تحدث المفاجأة حيث يكتشف “القادة ” أن العدو زادت قوته وأن الأمية زادت نسبتها .
ثم يزول مُُلك ويأتي مُلك جديد وتتحول ” القوي الحية القديمة ” إلي ” قوي حية جديدة ” تنسي تماما عدوها القديم (الأمية ) ويكتشف خبراؤها عدوا جديدا يتم تفصيله وفق مقاس ورغبات السلطان الجديد فينسي الناس كل مشاكلهم القديمة ليتفرغوا للحرب الجديدة التي تم تلخيصها في محاربة الاسترقاق وعودة المبعدين فتسن القوانين التي تشرع لهذه الحرب الجديدة ويساق الناس أيضا جماعات وفرادى بعلمائهم وساستهم ومثقفيهم تقودهم ” قواهم الحية ” ليس إلي آدوابة طبعا وإنما إلي” شاشة “المعركة الجديدة واستوديوهات بثها ، ثم عندما ينكشف غبار المعركة يجد الناس أن المستهدفين من هذه المعركة قد زادوا جوعا وبؤسا وفقرا وجهلا .
ثم يزول مُلك ويأتي مُلك جديد وينسي الناس مخلفات الإرث الإنساني ليشتغلوا بحرب جديدة ضد الفساد يطلق فيها الرصاص الحي علي كل من يرفض أن يشارك في هذه المسرحية الجديدة بينما يحرم استخدام كل أنواع السلاح بما فيها السلاح الأبيض ضد كل مفسد يولي وجهه شطر القبلة الجديدة للقوي الحية القديمة الجديدة .
أيضا سيكتشف الناس بأن حجم الفساد قد زاد في زمن الحرب علي الفساد والتي يكفي أن نعلم أنها تخاض بأسلحة فاسدة (فمثلا كل التعيينات التي تمت بعد التصحيح الأخير ليس فيها تعيين واحد خرج عن القاعدة المشهورة : صفق لتحصل علي وظيفة .)
حقيقة لقد سئمت هذا كله، وسئمت هذه الحروب المسرحية التي تبدأ فيها الهدنة قبل إطلاق الرصاصة الأولي ومع ذلك لا يتوقف صخب هذه الحرب المسرحية إلا مع قدوم الرئيس الجديد الذي يأتي ـ عادة ـ بعدو جديد يختلف ـ دوما ـ عن العدو القديم لتبدأ بعد ذلك حرب عبثية أخري لا تتوقف إلا لتنطلق حرب عبثية أخري .
لقد سئمت هذه العبثية والارتجالية التي تدار بها الأمور في هذا البلد وهي عبثية جعلتنا نتربع ـ وبجدارة ـ عاما بعد عام وعقدا بعد عقد علي إمارة الأمية وإمارة الفقر وإمارة الفساد ….
لقد سئمت هذا كله ، سئمته ، سئمته ، سئمته …
فكن ملكا وسأبايعك وذلك من أجل أن نكمل حربا مسرحية واحدة علي الأقل حتى ولو كنت أعلم يقينا بأن نتائجها ستكون سلبية تماما .
وكن ملكا وسأبايعك لأني سئمت من كل انتخاب جديد ومن كل انقلاب جديد ومن كل تصحيح جديد ومن كل عدو جديد ومن كل حرب عبثية جديدة ، سئمت هذا كله .
شيء ما تعلمته من مراقبتي للحروب الماضية أهديه للقراء بمناسبة العام الجديد : إذا سمعتم أن بلدكم يخوض حربا ضد الجهل فاعلموا يقينا بأنكم ستزدادون جهلا وإذا سمعتم أنه يخوض حربا ضد الفقر فاعلموا أنكم ستزدادون فقرا وإذا سمعتم بأنه يخوض حربا شرسة لتصحيح المسار الديمقراطي فاعلموا يقينا بأن المسار سيزداد اعوجاجا .
كن ملكا وسأبايعك لأني قد سئمت سماع من يفتي ويشرع لكل رئيس جديد ، مرة يشرع للانقلابات الانتخابية ومرات يشرع للانقلابات العسكرية ، مرة يفتي بأن يوم الأحد هو الأنسب لأن يكون عطلة للمسلمين ومرة يفتي بأن الجمعة هي عطلة المسلمين ومرات يفتي بأنه لا عطلة للمسلمين لأنهم أمة عمل متواصل .
كن ملكا وسأبايعك لأني قد سئمت سماع أصحاب الرأي المستنيرـ مع إبدال النون طاء ـ وهم يتحدثون عن عبقرية الرئيس الجديد بنفس الحماس الذي يتحدثون به عن غباء الرئيس السابق والذي كانوا يتحدثون عن عبقريته يوم كان رئيسا جديدا بنفس الحماس الذي كانوا يتحدثون به عن غباء سلفه عندما أصبح رئيسا سابقا وذلك بعد أن تحدثوا عشرين عاما عن عبقريته وعن حكمته .
لقد سئمت هذا كله ، سئمته ، سئمته ، سئمته …..
كن ملكا وسأبايعك وذلك حتى لا يُحدثنا غدا ” صانع الرؤساء ” ويقول لنا إنك كنت من صنعته أو يحدثنا ليكشف لنا حقائق عن “كبرائنا” كنا نتمنى أن لا نسمع عنها لأن سماعها يجعلنا نخجل من أنفسنا ومن “القوي الحية ” التي تقودنا إلي الهاوية .
كن ملكا وسأبايعك حتى لا يُحدثنا غدا ” مُنظِّر التصحيح ” كما حدثنا بالأمس عن ” الرئيس المؤتمن ” ، لقد سمعته مرة ينقل عن هذا الرئيس بعد حادثة مقتل السواح الفرنسيين توصية مفادها أن “الرئيس المؤتمن ” يوصي الجميع بحماية ديمقراطيتنا الفتية التي يجب أن نحافظ عليها مهما كان حجم التحديات التي تواجهنا ، ثم بعد ذلك شاهدت ” منظر التصحيح ” هذا وهو يتصبب عرقا في مسيرة ” تصحيحية ” اتهم فيها ” الرئيس المؤتمن ” بالديكتاتورية وبالانحراف عن المسار الديمقراطي .
لا أريد أن يتكرر هذا المشهد ولا أريد أن أصدم من جديد في هذا ” المنظر السامي ” الذي كنت أعتقد ـ خطأ ـ بأنه يمثل جيلا سياسيا جديدا يختلف عن الجيل القديم .
كن ملكا وسأبايعك وذلك حتى نحارب ـ ميدانيا ـ النفاق والذي أعتقد أن الحرب ضده أكثر أولوية في بلدنا من أي حرب أخري سواء كانت ضد الفقر أو الأمية أو الفساد ..
فنحن لا نستطيع أن نحارب عمليا النفاق في ظل التداول السلمي أو ” التصحيحي ” للحكم لأننا لا نستطيع أن نربي أبناءنا (رجال الغد ) علي الصدق والوفاء وهم يشاهدوننا ـ تصحيحا بعد تصحيح ـ نستقبل كل رئيس جديد بالتصفيق ثم نودعه بالسب والشتم .
وكن ملكا حتى لا يسمع أطفالنا ونحن نربيهم علي حب الدستور وعلي الوطنية من يقول لآبائهم وهم يصفقون لقوله : بأن الدستور يجب أن يرمي في القمامة.
ومع أننا يئسنا من صلاح رجال اليوم إلا أننا مع ذلك لا نريد أن نخسر رجال الغد لذلك نرجوك أن لا تقبل بأن تكون رئيسا سابقا حتى لا يشاهد الأطفال آباءهم وأمهاتهم وقادتهم ورموزهم وهم يتحدثون عنك بعكس ما يتحدثون به عنك الآن.
أرجوك لا تقبل بأن تكون رئيسا سابقا حتى لا أضطر للدفاع عنك كما أدافع الآن عن الرئيس السابق .
كن ملكا لأننا سئمنا من الانقلابات ومن التصحيحات ومن تصحيح التصحيحات كما سئمنا من الانتخابات التي يصحح بعدها جزء من أصواتنا الانتخابية دون أن نستشار ويُزَكَّي فيها الجزء الآخر من أصواتنا ودون أن نستشار أيضا .
فبأي شرع وبأي منطق وبأي قانون يكون صوتي “للرئيس المؤتمن ” لاغ قانونيا وعمليا ويكون صوتي ” للنائب المؤتمن ” و”الشيخ المؤتمن ” و” العمدة المؤتمن ” غير لاغ قانونيا وعمليا ؟
هذا سؤال أترك الإجابة عليه لــ ” منظر التصحيح ” وذلك قبل أن يجمعني به لقاء قادم عندما أعود إلي كتابة “الأوراق المزعجة جدا ” .
كنت أتمني من الجنرال أن لا يلغي جزءا من صوتي الانتخابي وما دام قد ألغي هذا الجزء فإني أناشده اليوم أن يلغي صوتي كاملا وأن يريحني من كل ” شيخ مؤتمن ” ومن كل ” نائب مؤتمن ” ومن كل ” عمدة مؤتمن “.
كن ملكا حتى تستريح ونستريح ، وأعدكم ساعتها بأن ” أغلبية ” الشعب الموريتاني ستشرع لكم هذا الملك ، فسيأتيكم من يقول لكم بأن العديد من الدول الأوروبية التي تشكل نموذجا للديمقراطية هي مملكات فخرية ، وستسمعون من يقول بأن الدول الصديقة والشقيقة التي وقفت معنا في اللحظات الحرجة (المغرب ، اسبانيا ) هي دول ملكية كما أنكم ستسمعون من يقول بأن ” المملكة الدستورية ” هي أنسب نظام لدولة متخلفة مثل دولتنا .
ستسمعون عجبا وسيقول لكم من كان يشرع للتصحيح الحالي بحجة ضرورة مراجعة الدستور للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية ستسمعونه وهو يبرر للتصحيح المنتظر بضرورة مراجعة الدستور من أجل زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية حتى يصبح ملكا دستوريا .
ستسمعون عجبا مما لا أستطيع أن أتخيله أنا الآن ، المهم أن ” أدمغتنا ” ستشتغل فوق طاقتها و لن يعجزها أن تقدم حججا ومبررات للتصحيح المنشود .
كن ملكا وسأبايعك ، ولكن قبل ذلك أرجوا أن أعتذر لكم عن عدم حضور المنتديات الديمقراطية رغم دعوتكم الكريمة لي بوصفي مواطنا موريتانيا ، لقد تخلفت عن هذه المنتديات لأنها لم تستجب للحد الأدنى من الاستقلالية الذي طالبت به في مقال ” متى نتشاور؟ ” المنشور في زاوية ” همس الأحذية ” بيومية الفجر العدد 397بتاريخ 21 دجمبر 2008 .
كما أعتذر لكم عن هذا الأسلوب الذي كتبت به هذه الرسالة والذي يختلف تماما عن رسائلي الخمسة السابقة التي كتبت لكم وذلك بسبب أني أيضا سئمت من الكتابة الجادة التي لا تجد من يهتم بها سواء كانت موجهة لكم أو للرئيس السابق لكم أو للرئيس السابق للرئيس السابق لكم أو للرئيس الأسبق للرئيس السابق لكم .
وإلي الرسالة المفتوحة السابعة ، أقول لكم دمتم لما فيه خير البلد ، وكل عام وأنتم بخير .

محمد الأمين بن الفاظل رئيس مركز ” الخطوة الأولي ” للتنمية الذاتية (خيري )
www.autodev.org

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button