مقالات

دعوة للتأمل حول العقيد السابق عمار ولد ابيبكر / المختار ولد الشيخ زيدان

لا للحبس على الرأي

الحق في حرية الرأي والتعبير هو حق أساسي تضمنه عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية. وتعتبر المادة 19 في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الإطار الدولي الأساسي الذي يقنن هذا الحق. وتنص المادة 19 على ما يلي:

1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة؛

2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها؛

3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،

(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
تفلة الأعمى

ولايدعو عاقل إلى عدم الأخذ على أيدي أصحاب الدعوات العنصرية الهدامة، وحبس كل ذي دعوة عنصرية حتى يعود لرشده ويترك البلاد في حال سبيلها، إلا أن إلقاء السلطات الأمنية منذ يومين القبض على العقيد السابق عمار ولد ابيبكر، بدون توجيه تهمة له أو تقديمه للقضاء، بل إن الجهة التي أوقفته لم تعرف لحد الساعة، لايعد من الأخذ على أيدي دعاة العنصرية، بل هو كما يقال تفلة الأعمى، مما يعيد إلى الأذهان إرهاصات تخبط الحرب الوهمية على الإرهاب التي خاضها الرئيس السابق معاوية ولد الطايع قبيل سقوطه المدوي، وفي هذا الإطار نذكر بأن للدولة الحق في حفظ النظام لكن يجب عليها فعل ذلك في إطار قانوني وأخلاقي محدد معروف، ولايجوز بأي حال من الأحوال ولا تحت أية ذرية أن يزج بالمواطنين في غياهب السجون السرية بدون تهم واضحة في دولة ديمقراطية، وأذكر هنا أن هذا مايقال لنا في الإعلام ومايُعلم للأطفال في المدارس : أن موريتانيا جمهورية وديمقراطية، وإن حكمها العساكر فقد خلعوا بذلاتهم وتلبسوا بلباس مدني، ويحكمون بحكومة مدنية على الأقل، وبالتالي فلسنا في حالة طوارئ ولانخضع البتة لحكم عسكري عضوض، أو على الأقل هذا ما يقال لنا.
ماذا يقول العقيد السابق؟

هذا العقيد السابق هو رجل أوتي شجاعة وصرامة وصراحة لم يؤتها عسكري قبله، فصار يقول الحق كامل الدسم بدون مواد إضافية، وهذا مالم نتعود عليه بعد في ديمقراطيتنا الفتية، فهل نحمله ما لايطيق من كتمان الحقائق المرة التي كان شاهدا عليها؟ أو نحتمله مع مرارة الحقائق التي يسوق في آرائه؟ خياران أحلاهما مر، لكن احترام شخصه كعسكري سابق سام، ذو تاريخ ناصع في مؤسسته يجب أن لايكون خيارا بل هو واجب تجاه هذا المواطن الصالح.

أما مايقوله العقيد فهو ببساطة حقائق، وإن ارتأى البعض كتمانها او عدم الخوض فيها فذلك لايغير شيئا من كونها حقائق ولايجعل الخائض فيها مجرما،

لكن الخطاب العنصري القائم لايخفي نفسه وأهله لاينكرون عنصريتهم حيث يتبارون في الإساءة لمكون من مكونات المجتمع، ولايخفون أنهم لو استطاعوا أن يشعلوا الحرب لأشعلوها، هؤلاء هم العنصريون الحقيقيون، وهنا يأتي دور يد الحكومة الأمنية التي يجب أن تعي من أين تستأصل الداء، فالداء هو في الحقيقة مايبثه العنصريون وما تحويه قلوبهم من نيات خبيثة مبيتة لهذا الوطن الآمن، ولاخوف من قول الحقائق بل كل الخوف من إنكارها.
ولايمكن أن يكون العقيد السابق عمار عنصريا تجاه مكونه الاجتماعي، ولا أي مكون آخر فلقد عرف بالدفاع عن جميع الضعاف والمهمشين، ولكنه رجل صريح يقول ما يرى أنه حقيقة، وإن كان السياق المتاح لقول الحقيقة هو سياقا عنصريا للأسف، فسبب ذلك في امتناع وسائل إعلامنا من طرح الموضوع للنقاش وغياب المفكرين الحكماء من جميع الفئات عن الساحة، ولا أنكر أنه مع غياب الحكماء عن الساحة لايعد قول الحقيقة والاعتراف بها حلا، لكن إنكارها يظل هو الآخر مشكلا. فقول الحقيقة دون ترتيب برنامج عملي عليها، أو دون أن تكون جزءا من برنامج إصلاحي شامل عليها أو دون التحذير من استخدامها كشماعة يعلق عليها الآخرون أحلامهم البائسة هو واجب لاغنى عنه.

فمن العبث أن يشهد الشاهد في الشارع دون حضور القاضي أن فلانا قتل فلانا، يجب أن يكون ذلك امام القاضي ليأخذ العدل مجراه أما إن خرج عن ذلك الإطار فيمكن أن يسخدمه المشهود له كتحريض على المشهود عليه، لاسيما إذا علمنا أن غياب العدالة للأسف أمر يصيغ للبعض السعي للالتفاف على النظام القائم في المجتمع.
ماهو حل المشكلة؟
أنا أتفهم خوف بعض المواطنين الشرفاء من ارتفاع حدة أصوات الحركات العنصرية في مجتمعنا، وأقدر خوفهم من استخدام خطاب العقيد السابق وشهاداته لإذكاء نار لايمكن إخمادها، لكن السبيل إلى إلى إخماد تلك الفتنة ليس بدس الرأس في التراب، بل هو بسحب البساط من تحت مستخدمي ذلك الخطاب وتركهم مع أكاذيبهم ونياتهم السيئة بلا غطاء تاريخي أخلاقي.

ولأوضح ذلك أضرب المثال بما فعله السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ توليه الحكم من تحديث لخطابه السياسي حيث اعترف بوجود فساد مستشر في الدولة وتعهد ببذل أقصى جهد في محاربته، وهنا سحب من المعارضة التقليدية أساس خطابها الأكثر صلابة، ألا يجب أن نعترف كما فعل هذا النظام من قبل بأنه حدثت هناك تجاوزات في حق بعض أبناء الوطن خلال فترة ماضية؟  لم تراجع النظام عن هذا الخطاب الذي رفعه منذ مجيئه لسدة الحكم؟

لكن بالمقابل يجب أن يعي الجميع خطورة استخدام البعض لتلك الحقائق المرة التي وقعت على هذه الأرض يوما كقميص عثمان، إثارة للفتنة وإذكاء لنارها الخامدة.

إن إنكار الحقائق يترك للعنصرين غطاء يمارسون تحته طقوس إثارة الفتنة، ونحن نعترف بالأحداث المفجعة التي حصلت سابقا، وقد قام الرئيس الحالي مع جماعات محلية وطنية بأداء الصلاة على أرواح الضحايا، في لفتة اعتراف بحقهم، ألم يتم دفع تعويضات لضحايا سلسلة الأحداث تلك؟ وفماذا بعد؟ هل يراد من دولة أن تغير ذكرى استقلالها بسبب حادث مفجع وقع فيه؟ وإذا غيرناه فمن يضمن أن لا تستمر نفس الطالب العبثية في التنامي؟ ألم يناد البعض من العنصريين المقيتين بالانفصال للجنوب؟ ولنكن إذا صريحين فمن لا يريدون الاحتفال معنا بالثامن والعشرين من نوفمبر يوما للاستقلال لايريدون أن تجتمع كلمتنا ولا يريدون أن يحتفلوا معنا باختصار، ولنعرهم ونكشف أباطيلهم وزيف دعاويهم.

فكيف يصح أن يترك السارقون المارقون يجولون في الشوارع – بل قد يطأون رؤوسنا – ثم نبدأ بالرجال الشرفاء لنزج بهم في السجون، إننا هنا نلعب بالأولويات لعبا هزليا.
وأدعو أن يطلق سراح هذا الرجل النزيه، وأرجو ان تتم مراجعة استراتيجياتنا الأمنية لتكون أكثر تماشيا مع الديمقراطية، وأتمنى أن تنعم بلادنا بالأمن والاستقرار، رغم كيد الكائدين.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button