مقالات

خمسة وخمسون عاما بعد الاستقلال : نجاحات وعثرات / المختار ولد داهي

تستعد بلادنا هذ العام لتخليد غير مسبوق -مكانا ومكانة و حجما و نوعا و حشدا  و ضُيُوفًا،…- للذكري الخامسة و الخمسين لعيد الاستقلال الوطني -نصف الإكراهي و نصف الطوعي- عن الاستعمار الفرنسي ذي “القَبْضَةِ الثًقِيلَةِ”.

ذلك الاستعمار الذي “أَرْخَي سُدُولَهُ” فلبث قرابة سبعين

 سنة في هذه البلاد عاث فيها نهبا معدنيا و إذلالا معنويا و إفسادا أخلاقيا …و ما ترك فيها غير أمتار مربعة قليلة من البني التحتية والمنشآت العمومية و مئات الكلومترات من الحدود الموروثة عن عمليات “القَطْعِ و اللًصْقِ”Couper & Coller  الإِثْنِيًةِ والقبلية و الجغرافية “الحَامِلَةِ لِمُحَرِضَاتِ التنافر و التدابر”.
و كما هو متواتر فإن المغزي من تخليد الأعياد الوطنية عموما  هو الوفاء و البرور و  الذكري و التأمل و التدبر و استخلاص الدروس و العبر من خلال ” تأبيد” الأحداث الوطنية العظمي  من جهة و تقييم انعكاساتها تثمينا للنجاحات و تبيانا للعثرات من جهة أخري.

و يجب أن يكون التقييم المنشود بعيدا عن ثقافة النظر الأحادي “بعين الرضي” و التمجيد و التطبيل التي أضحت منذ زمن طويل – بكل الأسي و الأسف و الحسرة- “الرياضة المفضلة” للأغلبية الغالبة من نخبنا الوطنية  بغض البصر و النظر عن منازعهم الفكرية و درجاتهم العلمية و مراكزهم المهنية و مراتبهم الاجتماعية،…
و المتابع  لمسار الدولة الموريتانية نشأة وتطورا منذ الأيام الأولي للاستقلال إلي يومنا هذا  ملاحظ تحقيق العديد من  النجاحات في بعض المجالات و التعرض أيضا لعدد غير قليل من  العثرات في مجالات أخري. فعلي سبيل المثال لا الحصر تحققت النجاحات التالية: –                

         
أولا-تعزيز تأسيس الدولة: يعتقد بعض المؤرخين أن قرار إنشاء الدولة  الموريتانية -علي غرار العديد من الدول الإفريقية-  حُسِمَ قبل معرفة حدود الإقليم  ومكونات  الشعب L’Etat a precede la Nation. و رغم ذلك فقد تم تحقيق نجاح  تراكمي معتبر في مجال فرض وجود  الدولة داخليا  و بسط سلطانها و هيبتها علي الكيانات السياسية القبلية و المشيخية و الأميرية كما تم بنجاح فرض وجود موريتانيا علي الخارطة الإقليمية و الدولية رغم غَمْطِ  الجيران من أولي القربي و موالاة بعض النخب الوطنية الوازنة؛

ثانيا- بناء المنظومة العسكرية و الأمنية: تفتخر موريتانيا بوجود منظومة عسكرية و أمنية عالية الكفاءة و الجاهزية خصوصا إذا ما قورنت مع المنظومات العسكرية و الأمنية بشبه المنطقة و الحق  أن كبير الفضل في ذلك  يعود إلي ما عرفته السنوات الثمانية الأخيرة من اهتمام كبير بإعادة هيكلة المنظومة العسكرية و الأمنية تنظيما و تكوينا و مكافأة و تشجيعا  و تخصصا و تحيينا  و تجهيزا و تسليحا…؛                                        

       
ثالثا- تطور المشروع التنموي الوطني: يعتقد علي نطاق واسع أنه رغم  الفرص الضائعة لتحقيق النهضة الاقتصادية بفعل تغول الفساد المالي و الإداري  فإن تطور المشروع التنموي الوطني المتمثل في التزايد المضطرد للبني التحتية و التصاعد المستمر لمعدلات النمو  يعتبر من أهم الإنجازات التي حققتها دولة ما بعد الاستقلال تراكميا و بإسهام متفاوت طبعا من  كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت علي هذا البلد؛  
و توازيا مع هذه النجاحات فقد نَغًصَتْ مسارَ تطور الدولة الموريتانية عثرات عديدة من أبرزها:                                                                       

     
1.استدامة التجاذب  و غياب السكينة السياسية:  رغم  انصرام خمس و خمسين سنة علي  انطلاق دولة الاستقلال الوطني التي  حددت من أول أهدافها إرساء التعددية السياسية  الهادئة فإن الطريق إلي تحقيق هذا الهدف لا زال طويلا و مليئا بالمطبات فلا زال التجاذب السياسي الساخن و العنيف أحيانا “الخبز اليومي” للساسة الموريتانيين. و الأمل معقود علي الحوار الوطني المرتقب في تطبيع المشهد السياسي و إرساء نظام ديمقراطي تعددي توافقي و مستقر؛  

   
2 فشل النموذج التربوي و التعليمي: يجمع المتابعون علي أن أكبر عثرات مسار الدولة الموريتانية تتمثل في فشل النموذج التربوي و التعليمي  الذي يعتقد بعض الحُذًاقِ الاستشرافيين بأنه بشكله الحالي “مُفَخًخٌ اجتماعيا”؛ و من شواهد فشل النموذج التربوي و التعليمي ما ذهبت إليه التقارير الدولية في مجال جودة التعليم من تصنيف الجامعات و المعاهد العليا  الموريتانية  في ذيل الترتيب العالمي مسبوقة بجامعات و مؤسسات تعليمية عليا تنتمي إلي  دول حديثة العهد بالحروب الأهلية و أخري  لا زالت  مسرحا لها!!                                    
3-بُطْءُ استشراف أسبقية “إطفاء المظالم الاجتماعية الموروثة”:  يعتبر  التأخر في استشراف و استكشاف أسبقية إطفاء المظالم الاجتماعية الموروثة  علي سائر الورشات الاقتصادية و الاجتماعية  الأخري من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة السياسية التي ساست هذا البلد.

كما يمثل ذلك البطء و التباطئ في استشراف خطورة المظالم الاجتماعية المتوارثة أشد أخطاء مسار تطور الدولة الموريتانية  تأثيرا و أكثرها إسهاما في “الصًدْعِ” الذي أصاب العقد الاجتماعي الوطني الذي يراه بعض المتشائمين بعيدا غائرا لا قريبا عَارِضًا مما يحتم علي النخب الوطنية أجمعها تلافي الوضع و “رأب الصدع الاجتماعي” قبل استفحاله وتعفنه واستعصاء علاجه!!.

مواضيع مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button